يمر العام الخامس عشر لجريمة اغتيال السياسي البارز جار الله عمر احد ابرز قادة الحزب الاشتراكي اليمنيوالامين العام المساعد للحزب.
واحد الثوار الذين شاركوا في الدفاع عن العاصمة صنعاء اثناء حصار السبعين يوما, والتي حدثت بصورة مرعبة في مؤتمر عام امام قيادات حزبية وسياسية كبيرة دون ان تكشف الايام حقيقة من يقف وراء عملية اغتياله.
واقعة الاغتيال
اغتيل السياسي اليساري جار الله عمر في المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح في 28 من ديسمبر عام 2002، بعد دقائق قليلة من نزوله عن المنصة عقب انتهائه من إلقاء كلمته التاريخية برصاص متطرف يدعى علي جار الله السعواني, ووثق ذلك امام عدسات الكاميرا وشاشات التلفاز, وحكم عليه لاحقا بالإعدام جراء جريمته.
واشارت الاتهامات حينها الى حزب الاصلاح والى الشيخ عبد المجيد الزنداني تحديدا لان المنفذ كان احد الطلاب بجامعة الايمان التي يديرها الزنداني المنتمي الى حزب الاصلاح ومن العناصر المتطرفة وسبق لاجهزة الامن ان اعتقلته بتهمة الدعوة والتحريض على العنف ضد الدولة ومؤسساتها الدستورية.
واتهمت الاجهزة الامنية قيادات في التجمع اليمني لحزب الاصلاح بالسعي لاطلاق سراحه واكد المصدر الامني الحكومي ان الجاني كان في منزل الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر رئيس البرلمان وزعيم حزب الاصلاح عقب ارتكابه الجريمة, لكن مصادر اخرى اكدت تسليم الاحمر الحشيشي للشرطة حينها.
وادان حزب الاصلاح ما اسماه بالاكاذيب والتخرصات لدى الاعلام الرسمي ازاء المعلومات حول هوية المجرم, واكد على عدم انتمائه الى الحزب وانه هاجم في اكثر من مناسبة قيادة الاصلاح، ودعا الى الاتجاه نحو عدم توتير الاجواء وتصعيدها, فيما دعا الحزب الاشتراكي عبر امينه العام في تصريح صحفي ” المؤتمر والإصلاح إلى الاتفاق على كل شيء إلا على تضييع قضية جار الله عمر” !!..
وخلق مقتل جار الله عمر بهذه الطريقة تأزما حادا بين الاحزاب السياسية الكبيرة حينها.
ورأى بعض المراقبين ان المستفيد الأول لاغتياله هم من امسكوا بزمام اللقاء المشترك اثر مقتله, كونه كان ذا شعبية طاغية في احزاب اللقاء المشترك ويشكل منافسا قويا لنفوذ ال الأحمر والحضور السياسي لبعض المشايخ والاقطاعيين وخاصة ان الشهيد من المؤسسين البارزين للحزب الاشتراكي المعروف بمبادءه المبغضة للاقطاعية والمشيخة والراسمالية الاحتكارية.
حملة اعلامية شرسة قبيل الاغتيال
شنت حملة إعلامية رسمية ضد جارالله عمر قبيل اغتياله تركزت معظمها في في خمس صحف يومية وأسبوعية هي: الثورة، و26 سبتمبر، و14 اكتوبر، والميثاق، و22 مايو.
واسمته صحيفة 26 سبتمبر الناطقة باسم الجيش ب”فقيه الفتنة” وبدون سبب معلوم أو مقدمات، نفذت تلك الحملة بتعليمات عليا, وتم تجنيد كتيبة من الكتاب في تنسيق واضح، وفي أوقات متقاربة معظمها كان قبل وفي سنة 2002، بهدف اغتيال جارالله عمر معنويا أولا, ثم اغتياله جسديا لاحقا بعد ان يكون قد توارى عن المشهد السياسي او خبى نجمه وافل.
وشن حزب المؤتمر الشعبي العام حملة إعلامية لا هوادة فيها عبر وسائله المختلفة ضد حزب الإصلاح واتهامه بالوقوف وراء هذه الجريمة الأمر الذي لفت نظر الكثيرين.
وسارعت وسائل الإعلام الرسمية إلى الإعلان عن الحادث، والكشف عن هوية القاتل بأنه عضو في التجمع اليمني للإصلاح، وطالب في جامعة الإيمان بطريقة هي أقرب إلى الكيد منه إلى الشفافية والوضوح، حيث حرص الإعلام على إعادة وتكرار تلك المعلومات عقب الحادثة مباشرة، وقبل أن تتسلم الأجهزة الأمنية منفذ العملية.
وحرص الاعلام الرسمي والحزبي التابع للمؤتمر بنشر ما يقوله الجاني من تصريحات وتهديدات لشخصيات وقيادات في احزاب اخرى متهما اياها بالكفر ونشر تسجيلات وغيرها تدعم اتهاماتهم.
وعززت تلك الاتهامات مقالات بعض الكتاب من حزب المؤتمر، ورأى البعض أن حزب المؤتمر من خلال حملته الإعلامية على حزب الإصلاح هدف إلى تشويه صورة حزب الإصلاح وإرهاب القوى والشخصيات الاجتماعية في الداخل، من أجل عدم إقامة أي تقارب معه لا سيما وأن جار الله عمر كان ضحية لهذا التقارب.
هل كان صالح وراء مقتل جار الله ؟!
اشار الكثير من السياسيين والمتابعين بإصابع الإتهام للنظام حينها برئاسة علي عبد الله صالح واليه شخصياً بتدبير الاغتيال وتصفية الرجل لخطره السياسي الكبير, ولمواقفه القوية ضد الفساد.
واستدل هؤلاء بتصرفات صالح والتهديدات التي تلقاها جارالله عمر من صالح شخصياً بالتصفية, وكشف عنها بعد ذلك عدد من رفاق جار الله عمر.
كما يدل هذا الاغتيال بالسيناريو المعد إلى انه كان محاولة لضرب عصفورين بحجر الأول تصفية هذا السياسي النشط والثاني تفجير تحالف المعارضة الذي اسسه جار الله عمر حينها مما جعل صالح يستشيظ غضبا ويشعر بخطر فادح جراء تلك الخطوة الكبيرة التي اقدم عليها جار الله عمر في توحيد خصومه وتقوية معارضي حزبه ونظامه, حيث سعى بهذه الجريمة لزعزعة التحالف من الداخل وإدخاله في دوامة الدم والصراع.
ويعتقد الدبلوماسي علي محسن حميد ان صالح هو من يقف وراء اغتيال جار الله عمر , مستدلا بعدة ادلة منها الحملة الاعلامية التي شنها الاعلام الرسمي والاعلام التابع لحزب المؤتمر ضد جارالله عمر, والتي لم يكن سوى التمهيد لاغتياله، لأنه لم يقبل أن يكون أداة بيد صالح لتحقيق أمنية كبرى في شق الحزب الاشتراكي.
ويقول حميد في مقال له بعنوان ” قراءة في مرافعات محاميي الشهيد – أطراف التآمر والتواطؤ في اغتيال جار الله عمر” ان صالح كان يريد أن يرشح جارالله عمر نفسه أمينا عاما للحزب، وكان جارالله عمر يعي أهداف هذه اللعبة ومقتنع بقيادة (مقبل) وغير طموح لهذا الموقع وحريص على وحدة الحزب.
وقال ” في مارس 1994 – قبيل الحرب- قال لي أحد المنظرين لصالح الذي كان غير وفي معه وعزله من منصبه، وهو في سرير المرض أنهم يريدون أن يصبح جارالله عمر هو الأمين العام لأن (مقبل) غير مرن.
واشار حميد الى ان صالح كان يحذر الشهيد من محاولات اغتياله وأنه نصحه بزيادة الحراسة وبأن يستخدم سيارة صالون كبيرة بدلا من سيارته المتواضعة لأن هناك عناصر منتقمة قد تستهدف حياته, وكأنه كان يريد من جارالله عمر أن يقول إن موارده لاتسمح له بشراء مثل هذه السيارة لكي يهبه واحدة وجواسيس بلاي عسكري لمراقبته, وكان رد جارالله عمر أن ليس له خصوم، وأن لايخشى على حياته من أحد. واضاف الدبلوماسي حميد ان صالح كان يوم الاغتيال في الحديدة وعاد إلى صنعاء فورا, مشيرا الى شهادة قريب منه ان صالح كان ” بادي الانشراح في المقيل يوم اغتيال جارالله، وأمر بدفنه في مقبرة خزيمة، ولولا أن المرحوم يحيى المتوكل اقترح تكريمه كشخصية وطنية بدفنه في مقبرة الشهداء لما غير الرئيس رأيه”..
يضيف “وفي لقاء آخر في 11 سبتمبر، قال عن دور صالح في الاغتيال مايلي” الرئيس كان يخاف من نشاط جارالله عمر، ويقلق من علاقاته الواسعة وخاصة مع الشخصيات الغربية دبلوماسية وغير دبلوماسية، وأثناء التحقيق في منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بعد جريمة الاغتيال مباشرة وكنت من ضمن المحققين، قلت للقاتل السعواني ماذا حققت بذلك، هل ستتقدم اليمن بسبب ماعملت؟.. وكان رده “عملنا اللي علينا والباقي على الآخرين”، وأضاف بأن الأمن له صلة كبيرة بالاغتيال لأن السعواني قال أثناء التحقيق معه في الأمن السياسي لغالب القمش -رئيس الجهاز- بأنه سيغتال العلمانيين وعلى رأسهم جارالله عمر.. وأضاف بأن الأمن السياسي يصدر صحيفة اسمها “صوت المعارضة” يشرف عليها عبده الجندي ، مهمتها النشر ضد المعارضة الحقيقية كالحزب الاشتراكي، أشياء لا أساس لها من الصحة، مثل الزعم بأن جارالله عمر، قال في ندوة رأسها هو وكنت حاضرا فيها إنه ضد الإعدام وضد تطبيق الحدود الشرعية.. وأضاف أن جارالله لم يقل مانسب إليه ولكن صحيفة صوت المعارضة لصاحبها عبده الجندي وبعض الصحفيين الصغار الذين يعملون مع الأمن نشروا هذه الافتراءات.. وأضاف: كلنا بمن فينا جارالله عمر كنا نقرأ افتراءات هذه الصحيفة ولا نلق بالاً لها.. هذه الجريدة بحسب قول محدثي: يوزعها الأمن السياسي على أشخاص مثل السعواني، الذي يعتبرها مرجعا موثوقا به، وبعد ذلك يحدد خطواته على ضوئها.. وفي بيت الشيخ عبدالله ذكر القاتل الجريدة كمصدر لمعلوماته التي برر بها اغتيال جارالله.. كتاب نقد الاستحلال أورد اسم الصحيفة خمس مرات، ويشير إلى أن أحد مصادر التعبئة الفكرية للقاتل كانت هي هذه الصحيفة التي نسبت زورا في العدد 92 إلى جار الله المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام وبأسلوب الجندي، وبقلمه وصفت الصحيفة هذا الطلب بأنه “خطوة شجاعة وجريئة أن يطالب به في بلد عربي ومسلم”.
وقبل نحو اربعة اعوام اتهم القيادي في الحزب الاشتراكي علي الصراري علي عبدالله صالح في جريمة إغتيال نائب الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي جارالله عمر.
وفي أول تصريحات رسمية لقيادي اشتراكي، كشف علي الصراري في اتصال هاتفي مع تلفزيون “يمن شباب” في العام 2013م عن تهديد علي عبدالله صالح للشهيد جارالله عمر بالقتل، موضحا اسباب جريمة الاغتيال، منها رفض الانسحاب من اللقاء المشترك، وكذا غضبه من لقاء جارالله برئيس الاستخبارات السعودية تركي الفيصل.
واضاف الصراري “لقد سمعت من جارالله قبل اغتياله بأسبوع واحد بأن هناك حالة من الغضب والتوتر اجتاحت رئيس النظام السابق عندما استقبل تركي الفيصل، وبعد أن اخبره تركي الفيصل انه التقى مع جارالله ووجد فيه شخصا معقولا ومتوازنا ، فأستشاط غضبا ، وقاله له : الم تعرف ماذا كان يقول عن أبوك وجدك والآن تأتي لتقول لي هذا الكلام؟».
ولفت الصراري الى أن من نقل الخبر لجارالله يومها بأنه علي صالح كان “حالة من الغضب والتوتر الشديد مما انه لن يدع هذه المسألة تمر دون اتخاذ اجراءات ” في اشارة منه لتخطيط جريمة اغتيال جارالله .
واشار في سياق اتهاماته لصالح أن “جارالله اخبرني ايضا، قبل اغتياله بأسبوع واحد بأن علي صالح اتصل به، وحذره من استمرار اللقاء المشترك، وطلب منه ان ينسحب من اللقاء المشترك واقسم بأنه سيقتله ويجعل العالم كله يشاهد كيف قتل”.
واضاف الصراري ” في اليوم ذاته سألت جارالله : هل تعتقد بأنهم سينصبون لك كمينا في الطريق ؟ قال : لا، سيغتالوني في فعالية سياسية وقد كان هذا فعلا في تاريخ 28 ديسمبر”.
وقال “يوم اغتيال جارالله عمر كان هناك وحدة بث مباشر، لا يعلم الى اين كانت تبث، لكن المؤكد الى انه كانت تبث الى المكان الذي يتواجد فيه علي عبدالله صالح لأنه كان يريد أن يشهد مقتله بعينه”.
واردف الصراري “النظام السابق هو المسؤول عن هذه الجريمة ولا اظنه انه سيقوم بأي تحرك من اجل التحقيق بشكل نزيه، وبالتالي تقديم الجناة الحقيقيين للمحاسبة، لأن رأس النظام هو الفاعل الحقيقي”.
اغتيالات متعددة .. والقاتل مجهول
وتظل جريمة اغتيال ار الله عمر تثير الكثير من التساؤلات والاتهامات هنا وهناك لتؤكد كل المعتقدات بأن من قدم كمرتكب للجريمة انما هو كبش فداء للتمويه عن القاتل الحقيقي والمستفيد من جريمة الاغتيال تلك وجرائم الاغتيال المتعددة لسياسيين وناشطين بارزين في اليمن كانت لهم بصمات واضحة في التغيير والطموح لمستقبل افضل قطعته ايادي الغدر والفساد باكرا, ويذهب الضحايا سدى وتزداد التساؤلات وتظل خيوط الجريمة سر لا يعلمه إلا القاتل المعلوم لدى الجميع باستثناء العدالة والقضاء.