32.5 C
الجمهورية اليمنية
10:21 مساءً - 13 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

صباح الخير يا مواطن!

بلقيس علوان:

الجملة التي كانت تنادينا بها أستاذتنا الدكتورة رؤوفة حسن، في قاعات الدراسة، قبل حوالي خمسة وعشرين عاماً، كما كانت «يا مواطن» جملة النداء لكل عضو في فريق عملها في مؤسسة تخطيط البرامج الثقافية أو مركز الدراسات النسوية.
ما الذي كانت تود أن تزرعه فينا بهذه الجملة؟
كنا أول دفعة تبدأ دراستها الجامعية بعد تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990، كنا شباباً وفتيات من مختلف المحافظات: منا الشمالي والجنوبي، كان لنا انتماءات سياسية مختلفة، فينا الإصلاحي والمؤتمري والاشتراكي والناصري والبعثي والمستقل، فينا الريفيون والحضريون، منا الزيود والشوافع، يشغل آباؤنا مهناً مختلفة ومتفاوتة المكانة الاجتماعية بغض النظر عن منطقية المكانة التي وضعها المجتمع أو فرضها لهذه المهنة أو تلك.
يا مواطن! يا مواطنة! النداء الذي احتوی الجميع وظللهم.
حاولت رؤوفة حسن تذويب تلك الأفكار والمعتقدات بالأفضلية والتميز أو النقص والدونية، فأنت مواطن كما أن غيرك مواطن، لكل منكم موطئ قدم علی جغرافية هذا الوطن تحت مظلة الحقوق والواجبات والفرص المتكافئة، وسلطة القانون، أنت قوي لأنك مواطن، وكلنا أقوياء بالمواطنة.
كان من حول الدكتورة رؤوفة حسن يتلقون الكلمة «النداء» باستغراب أو سخرية، أو تقبل، الجميع ينظر للمنادی ويضحكون، وبدوره ينظر للدكتورة وكأنه يقول: إن لي اسماً أنادی به، فلماذا «يا مواطن» هذه؟ والبعض استساغ جملة النداء وانتقلت إليه عدوی استخدامها نداء للآخرين، وسواء كان استخداماً من باب الظرافة وخفة الظل أو من باب السخرية والتهكم، أو من باب استلطاف الجملة أو الاقتناع بها كان الاستخدام مقترناً بالنسبة لنا بالدكتورة رؤوفة حسن.
إستخدمت الأحزاب والقوی السياسية كلمة مواطن علی اعتبار أن الجميع متساوون حقوقاً وواجبات وفرصاً، لكن الممارسة السياسية لتلك القوی قالت غير ذلك تماماً، فالمواطنون سواسية إلا منتسبو كل منها علی حدة، فهم مواطنون من الدرحة الأولی والبقية مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة، فمثلاً كان انتسابك لـ«المؤتمر الشعبي العام» لفترة طويلة يفتح أمامك أبواب الفرص والترقي وكثير من الامتيازات، وبالمقابل أنت أقل محاسبة من غيرك، وظل هذا الامتياز سنوات، وبالتوازي معه ظلت القبيلة تحتفظ بامتيازات منتسبي هذه القبيلة أو تلك، فمن ينتمي لها من درجة والآخرون من درجة أقل، والفكرة نفسها تنسحب علی الكيانات السياسية والاجتماعية، وحتی ذات التصنيفات المذهبية، والمناطقية الجغرافية من حيث كونك شمالياً أو جنوبياً، صنعانياً أو تهامياً مثلاً.
إذا لم يكن ما سبق مواطنة!
ظل استخدام كلمة مواطن ومواطنة من الجميع مزايدة أو ديكور لتحسين صورته، أمام الخارج تحديداً، وتصل استخدامات الكلمة أقصی درجاتها في مواسم الانتخابات التي كانت تدار أبعد ما تكون عن فكر المواطنة قضية وممارسة.
بالنظر للحالة اليمنية، تراجعت المواطنة فكراً وممارسة وواقعاً تراجعاً يضع كل القوی السياسية والفكرية في حرج حضاري شديد، ويسقط عنها ورقة التوت الأخيرة والوحيدة، لتظهر وتطغي كل مناقضات المواطنة، لتصبح تلك المناقضات هي الأساس.
تتعامل كثير من دول العالم الديمقراطية مع المواطنة كأمر مفروغ منه، ويشهد التاريخ أن المواطنة لم يتم نيلها إلا بالكفاح والمقاومة الاجتماعية، كما أن اكتسابها لا يعني دوامها، والتراجع عنها يعني أنها كانت هشة وصورية ليس أكثر.
بلقيس محمد علوان

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد