بشير القاز :
عندما تقف على شاطئ التأمل العربي ، لن تقف طويلاً دون ان تأسرك أمواج المآسي العربية الدامية ، حتما ستعيش هول الصدمة بكل تفاصيلها ؛ وبلا شك سترتسم أمام مخيلتك قصة القتل الأولى ، قصة قتل قابيل لأخيه ، ولكن ينقصها حضور الغربان وإقتتالهما؛ ولكن في مشاهد وقصص متجددة لتلك الحادثة المأساوية في حق الإنسانية ودمائها الزكية، وعلى امتداد المحيط إلى الخليج ، مشاهد تكسوها جلابيب الحسرة والندامة، نعيشها وبإستمرار على مدار اليوم والشهر والعام ؛ بل الساعة واللحظة ، والابشع إنها ولدت بلا سبب ، حتى جعلت من أمة السلام والبناء والإعمار، أن تنسى إنها كانت خير أمة أخرجت لناس ،لا هم لها إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
كيف لا ونحن نعيش غزوات وفتوحات عربية، لا تتعدى الجغرافيا العربية ، يرافقها فتاوى مشحونة بلغة التكفير وقتل النفس المحرمة،
غزوات حاضرة عربياً ، وغائبه عن ساحات القضية الفلسطينية .
فمنذ فجر التاريخ القديم حتى عصرنا الحاضر، لم ولن تكن الحروب الأهلية، أو اشتعال النزاعات المسلحة فيما بين أبناء الشعب أو الأمة الواحدة، سبباً لنهضتها أو إحدى وسائل الرفعة والازدهار ، فلذلك الف مثال وقصة .
لهذا مالذي افرزته الحرب الأهلية الروسية ، تلك الحرب التي نشبت في مابين عام 1918_ وحتى عام 1921م سوى إنها خلفت 13 مليون من الضحايا ، توزعت على مختلف الشرائح المجتمعية الروسية، في حين إنها أيضًا تسببت بتهجير مليون نسمة ، وتفشي أنواع الأمراض والأوبئة القاتلة، التي زحفت لحصد أرواح من نجوا من جنونية الحرب ، وهم 3 000،000 شخص ، يرافق ذلك سحب الخراب وغبار الجفاف، وانتشار المجاعة ، حسب ما أورده التاريخ السوفياتي .
حينها ياعرب أدرك الروس على أن الحرب وثقافة الدمار لايجب أن تستمر ،وعلى أن نهضة روسيا لن تكون إلا في إرساء قواعد الأمن وتدعيم مداميك الإستقرار السياسي، ولكي تتمكن من دفن ماضيها المشؤوم، المنتهي بنهاية الحرب الأهلية والحربين العالميتين، بدأت في التأسيس لإحدى أكبر عشر اقتصادات في العالم ليتحقق الحلم النهضوي في مطلع القرن الواحد والعشرين كذلك هو الحال مع شقيقتها الحرب الأهلية الأمريكية وغيرها من الحروب الأهلية المليئة بآلاف القصص التي تبحث عن عربي معتبر.
اما اليوم عاد العرب وبكل شغف إلى استنساخ تلك التجربة النازفة من تاريخ تلك الحروب ، الطافحة بدروس المعاناة والأحزان، فرغم توحد العرب عقيدة وإنتماء، لا زالوا فقراء فكر وثقافة، اعتادوا السباحة في مستنقعات التناحر والاقتتال،
لا نعلم هل تبخرت عقول العرب حقا .. ؟! فأن تبخرت حقا فليس لنا أملا إلاَّ أن نسأل الله تعالى جل شأنه، أن يمن علينا بغيث العقل والمنطق ، لعلها تنبت أفكار العرب ، وتلين ضمائرهم.