بلال الطيب :
بانتهاء «الدولة الرسولية» منتصف العام «858هـ»، أبتدأ عهد أصهارهم «بني طاهر» ذوي الأصول الأموية، وذلك بقيادة الأخوين «المجاهد» علي بن طاهر، و«الظافر» عامر الأول، رغم كونه الأصغر؛ استأثر الأخير بالخطبة والسكة لنفسه، ثم تنازل لأخيه «864هـ»، تجنباً لمصير الدولة الآفلة.
تحاشى «المجاهد» الدخول في صراع مع الأئمة الزيود، وحينما حاول «المنصور» الناصر بن محمد غزو رداع، تلافى التصادم معه، وسعى لمصالحته، وحين عاود ذات الإمام الكرة عليه «865هـ»، تصدى له ببسالة، وأخذ عليه ذمار وضوحيها لعدة أشهر.
كانت الإمامة الزيدية حينها في غاية الضعف، وكان الصراع بين الإمام «الهادوي» الناصر بن محمد، والإمام «الحمزي» المطهر بن محمد على أوجه، نجح أنصار الأخير منتصف العام «866هـ» في أسر الأول بـ «الحدا ـ ذمار»، ليتوفى الأسير بعد عامين في «كوكبان»، ولولا ذلك الصراع والتنافس «الزيدي ـ الزيدي» لكان باستطاعة هؤلاء وراثة ملك «بني رسول» بكل سهولة ويسر.
خلف «المنصور» الناصر عام أسره ولده محمد، تلقب بـ «المؤيد»، وظلت صنعاء تحت حكمه، وتحقق للطاهريين السيطرة عليها بطلب منه، وذلك في «شوال» من ذات العام، مقابل «50,000» دينار سلمت له، على أن يبقى مُعتزلاً في قصره، إلا أنه تخلص منهم بعد ثلاثة أعوام بالخديعة.
حاول «الظافر» عامر أواخر العام «870هـ» استعادة صنعاء، حاصرها بمساعدة أنصار «المتوكل» المطهر، إلا أن أنصار «المؤيد» محمد صدوا زحوفاته، قتلوه على أبوابها، لينفرد أخيه «المجاهد» بالحكم، أما «المطهر» فقد تقدم صوب ذمار، وفيها وفي بداية العام «879هـ» كانت وفاته.
في تلك الفترة، ظهر عدد من الأئمة الضعاف، كـ محمد بن يوسف بن صلاح الدين، أعلن دعوته بعد وفاة المطهر، وتلقب بـ «الناصر»، رجح «الحمزات» الخطبة له في صعدة لبعض الوقت، وذلك لما بينهم وبين إمام تلك الجهة عز الدين بن الحسن المؤيدي من خلاف، ليتوفى صاحبهم في «ثُلا» بعد أربع سنوات من الإمامة الشكلية «893هـ».
وفي صعدة، سبق لـ عز الدين المؤيدي أن أعلن نفسه إماماً «879هـ»، وتلقب بـ «الهادي»، بايعه هناك أغلب فقهاء مذهبه، ودخلت تحت طاعته «بلاد السودة، وكحلان، والشرفين»، دارت بينه وبين «الحمزات» حروب وخطوب، وكانت وفاته بعد «21» عاماً من الإمامة المتقطعة.
ومن بلاد «الظافر» أعلن إدريس بن وهاس نفسه إماماً، وهو «حمزي» النسب، تلقب بـ «المهدي»، وكان في غاية الضعف، كما قام حينها على وجه الاحتساب عبدالله بن الإمام المطهر، استقر الأخير افي ذمار، فيما بقي «المؤيد» محمد حاكماً لصنعاء.
بعد وفاة السلطان «المجاهد» آل الأمر لابن أخيه عبدالوهاب بن داؤود «883هـ»، كان عهد السلطان الجديد كسلفه، حافل بالصراعات الأسرية، سيطر على ذمار لبعض الوقت «889هـ»، ليؤول الأمر بعد وفاته لولده عامر «894هـ»، الذي تلقب بـ «الظافر»، وقد استعاد الأخير في العام التالي ذمار، وقام بهدم أسوراها.
في أواخر العام «900هـ» أعلن محمد بن علي الوشلي السراجي من منطقة «القابل» نفسه إماماً، تلقب بـ «المنصور»، وحاول بعد أربعة أعوام استعادة ذمار من أيدي الطاهريين، إلا أنه مني بهزيمة نكراء، ولم ينجوا من تلك المعركة إلا بنفسه.
توجه السلطان عامر منتصف العام «907هـ» بجيش كبير لمحاصرة صنعاء، قذفها بالمنجنيق، فاستنجد صاحبها «المؤيد» محمد بالقبائل، واستنجد أيضاً بالإمام الوشلي مُعترفاً بإمامته، وبالفعل جائه المدد، وأجبر الطاهريين على التراجع إلى ذمار، ليتوفى في العام التالي تاركاً صنعاء تحت حكم أخيه أحمد، الذي تلقب بـ «المنتصر بالله».
نجح السلطان عامر باجتياح صنعاء «27 رمضان 910هـ»، كما نجح في أسر الإمام الوشلي، ليموت الأخير نهاية ذات العام في سجنه، كما أرسل حاكم صنعاء «المنتصر بالله» إلى تعز، وقد بقي الأخير فيها مجللا مكرما مع أهله وحشمه وبعض معاونيه إلى أن توفي «912هـ».
بعد عامين من قضاء السلطان عامر على دولة الإمامة الزيدية في صنعاء، وجدها العلامة يحيى شرف الدين فرصة سانحة لتصدر المشهد، أعلن في «10 جمادي الأولى812هـ» نفسه إماماً، وتلقب بـ «المتوكل»، وهو حفيد «المهدي» أحمد بن يحيى المرتضى، وأحد تلاميذ الإمام الوشلي، وقد كانت العشر السنوات الأولى من إمامته ذات حضور باهت، بل لم تتجاوز «ظفير ـ حجة» منطلق دعوته.
في العام «919هـ» توغل البرتغاليون في البحر الأحمر، وحاولوا الاستيلاء على ميناء عدن، وقد سبق للسلطان عامر أن قام بتجهيز حملة بحرية متواضعة للتصدي لهم، إلا أنها فشلت، وحين تعاظم خطرهم، استنجد بمماليك مصر، وأذن للأخيرين بإقامة قواعد بحرية على السواحل اليمنية.
فجأة وبدون مقدمات، تخلى السلطان عامر عن وعده بمساندة المماليك، رفض مدَّهم بالمؤنة والطعام أثناء مكوثهم في جزيرة «كمران»، فما كان منهم إلا أن أعلنوا الحرب عليه، في البدء سيطروا على زبيد «922هـ»، وتحقق لهم بداية العام التالي دخول «تعز، ثم صنعاء»، بعد حروب وخطوب، وبطلب ومساندة معلنة من الإمام شرف الدين، الذي غادر صومعته، وبث دعاته، وجعل من «ثُلا» عاصمة لدولته.
سبق لذات الإمام أن أغرى المماليك بخيرات وأملاك الطاهريين، بعث برسالة للأمير حسين الكردي قائد حملتهم، وصفه فيها بـ «مفرج كرب العترة الطاهرة الزكية، الناقم بثأر الحرمين من الفرقة الغوية الظالمة العامرية، المُتحلى من أجل ذلك بكل زين، المتبري إن شاء الله من كل شين، الوافي بحق سيد الشهداء الحسين»، إلا أن المودة بين الفريقين لم تدم طويلاً.
بقتلهم للسلطان عامر على تخوم صنعاء، أنهى المماليك حقبة «الدولة الطاهرية»، بعد «63» عاماً من الصراعات والإنجازات المهولة، والمفارقة العجيبة أن دولتهم بـ «مصر، والشام» انتهت في ذات العام، قضى الأتراك عليها، وقتلوا كبيرهم قنصوه الغوري في معركة «مرج دابق» الشهيرة، فما كان من قادتهم هنا إلا أن أعلنوا ولائهم للسلطان العثماني سليم الأول، وجعلوا الخطبة في اليمن باسمه.
أدت تلك الأحداث إلى ضعف سلطة المماليك في اليمن، أعلن سكان صنعاء والقبائل المجاورة الحرب عليهم، أجبروهم أواخر العام «923هـ» على الرحيل، الأمر الذي مهد للإمام شرف الدين لأن ينقض على ذات المدينة، وغالبية مناطق «اليمن الأعلى»، فيما انحصرت سلطات المماليك في زبيد وما حولها، أما «اليمن الأسفل» فقد ظل تحت حكم بقايا الطاهريين.