36.5 C
الجمهورية اليمنية
1:36 مساءً - 9 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

أزمة اليمن السياسية والإعْلَامِية (2 – 3) تقييم لأداء وسائل الإعلام

يحيى عبد الرقيب الجبيحي :

لنأتي إلى الأزمة الأُخرى التي تواجهها اليمن اليوم وهي الأزمة الإعلامية.. ولنبدأ بتقييم وسائل الإعلام المختلفة (الخاصة) سواء المرتبطة بأحزاب أو بدول أو المستقلة؟!

ففي تقييم شخصي أولي لقنوات فضائية ومواقع إخبارية وما بات ينشر بِمنصات التواصل الاجتماعي من أخبار وتحقيقات ومقالات وغيرها، في تناول أزمة اليمن الراهنة، ومن خلال تقييم الأداء والرصد، يمكن القول دون تجني، بأنه إعلام دون ضوابط.. إذ تنعدم المصداقية والتحري والإنصاف والأمانة للرسالة الإعلامية عند الطرح حيال نشر ما يخص الأزمة اليمنية خاصة الجانب السياسي منها.. والظهور بمعالجتها!!

فبعض إن لم يكن معظم ما بات يذاع وينشر ويقرأ على الأزمة مجرد إشاعات أو تلفيقات أو مبالغة بجانب التشهير والقذف بحق بعض الشخصيات السياسية والحزبية والوطنية.. فيظل من خلال هذا الإعلام بمختلف وسائله كل حزب وكل فريق وبعض الأسماء من خلال ما يذاع وينشر يهدف إلى تصفية حسابات حزبية أو شخصية وإلى تحفيز الرأي العام وليس إلى تنويره، والعمل على تخريب العقول وتغذيتها بما قد يضر أزمة اليمن بدلاً من معالجتها.. مع الاستمرار في مخاطبة الرأي العام الخارجي أيضاً دون شفافية ولا وضوح عن طبيعة خطورة الأزمة التي يمر بها اليمن اليوم.. بجانب حجم التباين بين وسيلة وأخرى، حتى صار لكل وسيلة إعلامية أو خبرية أدواتها الخاصة في طريقة تغطية أي حدث يخص اليمن وأزمته.. مما يوقع البعض في فخ الشائعات أو التهويل من حجم الأزمة دون توضيح الحقيقة، مما يؤدي إلى نشر المزيد من الخوف والهلع أحياناً!

وبعض الفضائيات والمواقع الإخبارية تدعي عند النشر بأن لها مصادرها الخاصة والتي هي الأُخرى قد تكون مصادر مجهولة أو غامضة أو غير موجودة أصلاً، وهو ما يجعل من بعض الأخبار ليس فقط غير صحيحة بل ومكررة وبعضها مملة.. وهو المُشَاهَد والمقروء اليوم.. ولا غرابة في ذلك، طالما وبعض الفضائيات والمواقع وبعض الكُتاب غير مستقلين بما يطرحون كون المُمول هو الآمر والناهي.. مما يفقد حقيقة الاستقلالية والحيادية التي عند وجودهما بحق هي التي تحكم جوانب الولاء الوطني والانطلاق في توضيح أزمة اليمن ومعالجتها من خلال ذلك.

وربما يمكن القول إن ما قد يجمع مختلف وسائل الإعلام اليمنية الخاصة بمختلف توجهاتها، بكونها لا تزال أسيرة للماضي والاستمرار بلعنه وليس العمل على التحرر منه، وهو ما يُعد مُنافياً لأبسط قواعد المهنة.

رغم معرفة الوسيلة الإعلامية، أياً كانت، والمتلقي لها استمرار وجود أحزاب سياسية غير فاعلة ومعارضة غير صادقة ومجتمع لا يزال في الغالب يُعاني من أُمية مزدوجة! مما يحتم على هذه الوسائل الإعلامية كلها مراعاة ذلك كله عند الأداء، حتى المنظمات والهيئات التي تدعي بكونها تمثل: (المجتمع المدني) التي يمكنها المساهمة في نشر مختلف التجاوزات العامة والمساعدة إعلامياً، ولو بصورة غير مباشرة، في معالجة أزمة اليمن القائمة.. إلا أنها هي الأخرى، بات معظمها مجرد (اكشاك) للِارتزاق ولبعض العمالة على حساب الوطن وأزمته – باستثناء عدد منها لا يتجاوز عدد أصابع اليد.. والتي منها: (منظمة سام للحقوق والحريات) التي تتابع أوضاع السجناء السياسية والصحفية وَغيرهم ممن يقبعون بسجون (الحوثيين) وبسجون (المجلس الاِنتقالي) بل ومتابعة تجاوزات بعض سجون (الشرعية) نفسها!! إضافة إلى قيامها ببعض الدراسات والتحقيقات الهادفة.. ثم: (المركز الأمريكي للعدالة) ومنظمة (إرادة) ..وصولاً إلى:(رابطة أمهات المختطفين) التي تقوم بمهام قد تفوق مهام (مؤسسة الأسرى والمختطفين) التابعة للشرعية، وأمثال هذه المنظمات وهي قليلة.

بينما معظمها باتت تمثل عبئاً.. وأصبح وجودها يضر أكثر من عدمها.. وربما بعض المنظمات شبه الفاعلة مع قلتها تحتاج لتقييم في الأداء سلبا وإيجابا وبحسب ما يحدث على الأرض، وبكل حيادية وموضوعية. وهذا موضوع آخر، فلنعد إلى موضوع الإعلام اليمني الخاص والذي يمكن القول عنه، وبكل إيجاز ممكن، بكونه يتسم غالباً بعدم الشعور بالمسؤولية من قبل الوسيلة الإعلامية تجاه المشاهد والمستمع والقارئ.. إعلام قاتم.. لا يقوم على نشر الحقيقة والتحري عنها ولا على التشجيع والتفكير والإبداع، بقدر ما بات يقوم على التلقين والمحاكاة. ولذا.. نجده غير قادر على خلق رأي عام مستنير، مما يعمق حجم الأزمة اليمنية اليوم أكثر فأكثر.

وبالطبع لابد من وجود الفارق سواء بالعرض أو بالجوهر بين فضائية وفضائية وبين وسيلة وأُخرى..

وكما هو معروف في أبجديات الإعلام بكل وسائله، أن نشر الحقيقة المجردة التي لا تترك مجالاً للشائعات بجانب وجود روح الإنصاف عند نشر أو إذاعة موضوع أو القيام بتحقيق صحفي أو تليفزيوني أو حتى مقالة أو رأي عن قضية محلية أو عن شخصية، أو حتى عن دولة من الدول بجانب البُعد عن التضليل والتشهير عند اختيار بعض الجمل والمفردات، يؤدي ذلك إلى خلق رأي عام مستنير يحمل مشاعر وأراء وتوجهات وأفكار إيجابية تستفيد منها الوسيلة الإعلامية وتُوجِد علاقة قوية وثابتة بينها وبينه.

فالرسالة الإعلامية أياً كانت تسمو وتتألق في عيون وقيم الوسيلة الإعلامية وفي الإعلامي أيضاً المسؤول والواثق من مهنته والحريص على حاضر ومستقبل وطنه.. وليس كما هو حاصل اليوم حيث أصبحت الوسيلة الإعلامية والمرسل لها – مجرد تجارة طارئة أو شهرة عابرة أو قضاء حاجة زائلة.. أو تحقيق رغبات وأهداف الممول للوسيلة والتي تأتي حتماً على حساب رغبات وأهداف الوطن بأرضه وإنسانه.

وهذا يقودنا هنا إلى الغموض من تبعية بعض القنوات الفضائية أو المواقع الإخبارية أو أية وسيلة إعلامية، رغم أن من أهم أبجديات الإعلام الحُر هو ضرورة معرفة المُتلقي للرسالة الإعلامية، تبعية الوسيلة الإعلامية التي تقوم بنشر أو إذاعة هذه الرسالة.

مع أن المشاهد والمستمع والقارئ اليمني وبحاسته (السادسة) بات يعرف تبعية كل (قناة) فضائية وكل موقع إخباري وإذاعة وتحقيق وكاتب مقال وغير ذلك، ومن خلال إذاعة ونشر ما يتوافق مع الدولة أو الجهة المُمولة.. التي تأتي في العادة ضد اليمن بكل ما ومن فيه.

فاستمرار غموض تبعية الوسيلة الإعلامية ظاهرياً يزيد من حجم الهوة بين الوسيلة الإعلامية من جهة وبين المتلقي لها من جهة، ولذا لا غرابة أن تأتي الرسالة الإعلامية دون مصداقية ولا تحري ولا جرأة ولا حرية، بسبب الخوف والخضوع للإملاءات وإخضاع الوسيلة الإعلامية ومضمونها لمن يمولها.

وكما هو معروف، فكلما كانت الوسيلة الإعلامية أياً كانت مُموَّلة ذاتياً كلما كانت حرية ومصداقية الأداء أوسع وأشمل وأكثر قبولاً وتجاوباً وتفاعُلاً!! كما أن التمويل الذاتي غير الخارجي يسمح بصورة أكبر وأقدر من حسن استغلال الوسيلة في تعميق الانتماء للوطن والمساعدة في معالجة أزمته الحالية بدوافع وطنية.

إن الإنسان أياً كان إما أن يكون مؤثراً أو متأثراً، مما يؤدي إلى حدوث بعض التصادم بين الإعلامي وبين بعض متلقيّ الرسالة الإعلامية أحياناً وبحسب حجم التأثير والتأثر سلباً وإيجاباً، وهذا هو ما بات يحدث اليوم في الوطن.

وحين يشاهد بعضنا أو يقرأ أحياناً أخباراً عسكرية أو أمنية أو نشر وإذاعة معلومات رسمية – حساسة – والتي تتعارض مع مصلحة الوطن العليا خاصة في ظل أزمته الراهنة.. قد يأتي ذلك لرغبة ممول الوسيلة الإعلامية بالدرجة الأُولى، ثم لهدف إظهار العلم بالشيء أو حُب السبق الإعلامي والصحفي دون أي اعتبار لما يضر الوطن من وراء نشر ذلك.

وقد يكون عدم نشر مثل هذه المعلومات يتعارض مع حرية الإعلام وهو كذلك، لكن ذلك يرجع أولاً إلى مدى أهداف أو أخلاقيات مهنية الناشر للوسيلة، ثم دور المذيع أو الكاتب الذي لابد أن يكون على إلمام بمجموعة من الضوابط والواجبات المسيرة للإعلام بوجهٍ عام والتي لا تتعارض مع حريته فيدفعه حسه الوطني والأخلاقي إلى أهمية الالتزام ولو بشكل إرادي من عدم نشر الخبر أو الأخبار التي تضر بوطنه ولا تضر بحرية الكلمة، وتحريه للحقيقة قبل نشر أو إذاعة أية كلمة كونه ملتزم بما يقوم بإذاعته ونشره ومدى قدرته على مواءمة ذلك وبما قد لا يضر وطنه أو العكس، فيتحمل المسؤولية تجاه الذات ثم تجاه المهنة والمجتمع!

وفي نفس الوقت، فإن نشر الحقيقة هي حق للمتلقي وهي التي تدفعه غالباً إلى تحديده للوسيلة الإعلامية التي يثق بها وترضي رغباته وطموحاته أو قد لا يقتنع، خاصة حينما يكشف بحاسته بعض أهم أهداف ورغبات ممول الوسيلة الإعلامية من نشر بعض ما يضر وطنه وهو الحاصل اليوم!

لقد بات الإعلام اليوم بمختلف وسائله ظاهرة اجتماعية وحاجة ضرورية لكل دولة ولكل مجتمع بجانب كونه وسيلة مهمة لتكوين الرأي العام بوجه عام، سواء كان إعلام مرئي أو مسموع أو مقروء أو إعلام رقمي، إلا أن التبعية للوسيلة الإعلامية في اليمن اليوم لم تراعي مثل هذه الوظائف، بل حولتها إلى تصفية حسابات وتوجهات وأهداف بين بعض الدول والمنظمات الممولة ضد بعضها البعض وعلى الساحة اليمنية ذاتها.. ليؤثر ذلك على اليمن ويزيد من احتقانه السياسي ومضاعفة أزمته الراهنة. وبالطبع فإن الأداة بذلك كله هو الصحفي والإعلامي اليمني بالدرجة الأُولى.. والذي تدفع بعضه توجهات سياسية أو حزبية أو تصفية حسابات ضيقة.. أو قد يجد نفسه بين أمرين أحلاهما مُر، عندما نحسن به الظن، ومن ذلك الحاجة التي تدفعه لتقبل بعض ما قد يضر وطنه ويعمق أزمته.

“وحب العيش أعبدَ كل حُرٍ وَعَلَّم سَاغِياً أكل المِرَارِ”.

ولابد من الاستثناء من كل ما سبق ذكره.. إذ هناك بعض الإيجابيات والدوافع الوطنية لدى بعض (الفضائيات) الخاصة – خاصة تلك التي تم الاستيلاء على مقارها وأجهزتها وكل ما يخصها، من قبل الاحتلال الحوثي بعد احتلاله للعاصمة صنعاءَ، فاضطرت للهجرة والبث من خارج الوطن كما هو حال قناتي “سهيل” و “يمن شباب” حيث تقومان بدور كبير في تغطية الأوضاع اليمنية في الداخل بما في ذلك التواجد ببعض جبهات “القتال” وكذلك قناة “بلقيس” المميزة وكلها تقدم أيضا العديد من الدراسات الفكرية والتاريخية واللقاءات شبه الهامة.. وفي حدود المتاح.. وأيضا قناة “اليمن اليوم” التي تبث من القاهرة ودون أن أنسى قناة “السعيدة” الملتزمة بالحيادية حيث الابتعاد عن تناول الأخبار والتحقيقات السياسية ومعالجة أزمة اليمن الحالية بوجه عام إلا نادراً، لكونها بمثابة قناة تجارية أو هكذا تظهر للمشاهد! مع ما في ذلك من سلبيات بقدر ما فيه من إيجابيات.. مع أنها تعوض عن ذلك بنشر بعض التحقيقات واللقاءات التاريخية والفكرية بل والسياسية ولو بصورة ضئيلة.

فمن الخطأ الحكم العام على كل “الفضائيات” والمواقع الإخبارية والوسائل الإعلامية (الخاصة)، لكن السلبيات بما يخص معالجة أزمة اليمن بالذات، تطغى على الإيجابيات خاصة من قبل “الفضائيات” الطارئة التي لا تملك من الانتماء لليمن عدى الاسم! وضررها يعم ولا يَخُص، وهذا هو فهمي الخاص عن مختلف وسائل الإعلام اليمنية الخاصة.. وبالصورة التي ذكرتها آنفاً بكل إيجاز ممكن! (يتبع)..

* نقلا عن (المصدر أونلاين)

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد