د. عبدالقادر الجنيد:
نعم، كنت حاضرا في “الحفلة” التي انقلبت إلى تهمة.
١- وصلتني الدعوة، مع حرارة وطيبة وإلحاح لضرورة حضوري، لتوضيح أن هناك جوانب أخرى لليمنيين بجانب النزعة للتمرد والشقاق والرصاص والطعان.
٢- أنا أنام بدري وأصحو بدري ولا تعجبني لا الأغاني ولا الحفلات ولا الضجة، ولكني همست نفسي واعتبرتها نوعا من المجاملة والتضحية لمسايرة الناس.
٣- أنا لي أكثر من سنة كاملة، لا أرى اليمنيين لا في الداخل ولا في الخارج، وعندي فضول شديد لتلمس ما يحسون وما يتصرفون وما يفعلون، في معاناتهم وهم يمرون بهذه النكبة المكتملة الأركان التي تسبب بها إنقلاب الحوثي وصالح.
٤- كان على يساري الدكتور محسن العيني وعلى يميني السفير الدكتور رياض العكبري- وهذا من حسن حظي- وإلا لكان الملل سيكون قاتلاً.
٥- تأخرت الحفلة عن ميعادها ساعة ونصف، ونحن نشعر بضجر شديد.
وكان هناك فتيات بملابس قصيرة، في حالة حركة عجيبة ذهابا وإيابا أمام الصف الأول، خارج السياق تماما، لا أحد يدري لماذا هذه السرحة والجيئة. لا مهمة محددة ولا غرض معين. هل كان مجرد تواجدهن، هو كل الغرض؟ هذا، يحتاج لجواب.
٦- ابتدأ الحفل، بقطع موسيقية، لا تعرف ماهيتها، ولكن الموسيقار أحمد فتحي قال لنا بعدها، أنها عن نلسون مانديلا وعن الغربة.
ثم جاءت بعدها المغنية بلقيس وغنت لعبدالحليم حافظ وأم كلثوم وماجدة الرومي وفيروز وأغنية سوبرانو طلياني تبين قدراتها الصوتية.
بلقيس، تحتاج إلى ملحن يمدها بالأغاني التي تتناسب مع موهبتها، وليس لتقليد المشاهير.
وعندما قررا البدأ بالغناء اليمني، أخطرتهم إدارة مسرح الصوت والضوء بأن المسرح يجب أن يقفل الساعة الثانية عشرة. لأن العاملين والأمن يجب أن يذهبوا إلى بيوتهم.
لم تكن هناك أي فقرات رقص أو إبتذال على الإطلاق.
٧- طبعا نحن ممتنون لوزارة الثقافة المصرية، التي تقدمت بلمسة مجاملة لطيفة لليمنيين، عندما أرادوا التجمع معا في جو فني يمني.
لقد قدموا- مجاناً- مسرح الصوت والضوء على سفح أهرامات مصر العظيمة وتحت أبي الهول الرابض في خلفية المسرح، بجلال وهيبة التاريخ والعظمة والحضارة الغارقة بالضوء.
٨- اليمنيون العاديون، جاؤوا يريدون شيئا يمنيا، وتعبوا بالوصول إلى الحفل، وتعبوا في العودة إلى بيوتهم في منتصف الليل.
واليمنيون، في الغربة بائسون ويائسون ومكروبون، كل بطريقته، سواء كانوا متيسروا الحال أو قد ضاقت بهم السبل.
كلهم يدمعون ويتحسرون، ويريدون إستعادة حياتهم وبيوتهم وإلتئام شمل أسرهم المبعثرة في أصقاع الأرض.
الحفلة، بصفة عامة كانت مملة وفاشلة.
ولكن أحلى ما في “الحفلة”، هو رؤية هذا الكم من اليمنيين العاديين وهم يريدون بحرقة أن يحسوا بأنهم يمنيون وهناك ما يجمعهم أمام هذا السيل والفيضان من عوامل الفرقة والشقاق والنزاع الذي يطحنهم في الداخل والخارج.
٩- ثم جاء اليوم التالي للحفلة:
——-
تحولت “الحفلة”، إلى جنازة وتصفية حسابات ووعظ وإطلاق أحكام ولوم وتوبيخ.
– الأحزاب، ردت الجميل وهاجمت المسؤولين من الأحزاب الأخرى لحضورهم حفلاً، بينما البلاد في مأساة ولجلوسهم بجوار رموز من الإنقلاب.
– الناقمون على سوء أداء حكومة الشرعية، انتهزوها فرصة للنيل منها بسبب حضور وزراء وسفراء من الشرعية.
– البعض يقول حتى بأن أطرافا داخل الشرعية نفسها، شاركت بالنقد لعدم رضاها عن أشخاص بالذات داخل الحفلة.
– مطابخ الإنقلاب، من أتباع الحوثي وصالح، كل بطريقته، قام بما يعتبره فرصة سانحة للنيل من الشرعية.
– حماة الفضيلة، لم يكن من الممكن أن يتركوا مثل هذه الفرصة.
– الجاهزون بإطلاق الأحكام على الآخرين، وتصنيف الناس، وإرشادهم إلى ما يجوز ولا يجوز، لا يمكن أن تمر فرصة كهذه إلا ويتحفوا بقية خلق الله بالأصول وقواعد اللياقة واللباقة.
وما حدث في “الحفلة” وبعد “الحفلة”، يعبر عن حالة اليمنيين، أحسن من أي مقالة.
القاهرة
٨ سبتمبر ٢٠١٧