*عزالدين سعيد الاصبحي :
خلال الأيام الاخيرة كان السؤال الذي يطرحه كل مهتم في الشأن اليمني هو
لماذا رفضت ميليشيا الحوثي أي خطوة جادة نحو السلام في اليمن وآخرها المبادرة السعودية هذا الأسبوع ؟
حيث جاء رد مليشيا الحوثي سريعا برفض المبادرة السعودية التي رأى فيها العالم خطوة متقدمة لإيجاد سلام في بلد تمزقه الحرب وتتسع حالة التشظي المجتمعي فيه بشكل يدعو للخوف والحزن .
ورأى فيه اليمنيون خطوة أخوية صادقة تؤسس لسلام تحتاجه المنطقة كما يحتاجه اليمن.
ولكن الرفض الحوثي الذي صدم الكثير من المتابعين لم يكن مستغربا لدى معظم اليمنيين الذين خبروا عقلية مليشيا الحوثي وحاصرتهم نيران مشروعهم ( الغرائبي) الذي يصعب شرحه للعالم لعدم قدرة استيعاب الكون لرؤية تخرج من كهف التاريخ وتدعي الحق الإلهي والاصطفاء على كل البشر، وتلك قصة أخرى تحتاج وقتا إضافيا للحديث عنها.
ولكن دعونا الآن عند السؤال الملح لماذا رفضت مليشيا الحوثي الحوثي مبادرة السلام السعودية؟
من وجهة نظري هناك جانبين أساسيين لهذا الرفض.
الأول: مرتبط ببعده الإقليمي والصراع الدولي ونعني به بوضوح العلاقة مع إيران وكون مليشيا الحوثي أحد الأذرع الإيرانية التي تحتاج إلى رضا طهران وتوجيهها.
الجانب الثاني: له علاقة بعمق الرؤية الحوثية للمشروع الذي تؤمن به ويقوم على الاصطفاء الإلهي والتميز العنصري وهذا إرث تاريخي يمني مثقل بالثارات والانغلاق.
وفيما يخص الجانب الأول فإن الخارجية الإيرانية وحسب وسائل إعلام إيرانية الثلاثاء الماضي أي بعد يوم من المبادرة، رفضت هذه الخطوة.
فإيران لاتريد سلاما في اليمن لأنها ستفقد ورقة ضغط هامة تحقق من خلالها مصالح ضخمة ودون كلفة تذكر مقابل العائد الذي تجنيه طهران.
فبقاء الحرب بالنسبة لإيران يعني إستمرار القلق الأمني الإقليمي وجعل الجزيرة العربية وليس فقط اليمن وجارتها الكبرى المملكة العربية السعودية في وضع توتر دائم، والعمل على توسيع دائرة الفوضى لتصل إلى واحد من أبرز الممرات المائية في العالم أي باب المندب الذي تتميز به اليمن.
وخلق خنجر مذهبي في خاصرة الخليج كله سيصل مع الوقت وحسب الرؤية الإيرانية إلى هلال فارسي جديد.
هذا الحلم الإمبراطوري لا تخفيه إيران بل هو مشروعها الذي تتباهى به
وينكي جرحا في ذاكرة التاريخ اليمني منذ صراع الحضارة اليمنية قبل الإسلام وقدر اليمنيون أن يكون على صدام مع فارس المتطلعة لهيمنة واسعة تصطدم مع اليمنيين الذين يترسخ في ضميرهم إيمان بأنهم حماة لكل مشروع حضاري عربي يبدأ منذ فتوحات الإسلام ولا ينتهي في باب المندب وفي إيمان اليمنيين أنهم عمق هذه الأمة المتطلعة للإنعتاق .
ولهذا سنحتاج لجهد عربي كبير للغاية للتخلص من هذا التوغل الفارسي الذي يريد أن يختطف صنعاء من محيطها العربي بسبب انقلاب مليشيا الحوثي إلى مدار فارسي جديد.
وفيما يخص الجانب الآخر لرفض الحوثي لمبادرة السلام السعودية فإن مرد ذلك أيضا لطبيعة مشروع الحوثي القائم على استعلائية عجيبة على اليمنيين ومنهج بقاء حالة الحرب الدائمة التي من خلالها يتنفس المشروع وتجد المليشيات مبرر بقائها وازدهار دخلها .
وأجد صعوبة شديدة في شرح هذه النقطة للمتابع وشرح حقيقة عقلية الحوثي ونظرته فهي عصية على أن تكون مقبولة لأي عربي شقيق ناهيك عن إفهام أي متابع غير عربي بعيد عن نظريات الصراع المذهبي. والاصطفاء الإلهي في العالم الذي حسم خياراته نحو آفاق الإنسانة لا يصدق أن هناك أناس يؤمنون أنهم من طينة أخرى ويمتلكون عصمة الإله الذي أعطاهم الحق في جعل بقية البشر مجرد تابعين راضخين.
فالحوثي الذي يسميه أتباعه( القرآن الناطق ) استجلب قراءات فقهية من كهف التاريخ الغابر تقول أن حكم هذه الأمة يختصر به سلاليا وأن البشر يجب أن يطيعوا هذا الأمر القادم من توجيهات الرب ( جلت قدرته ) بحالة من استلاب حقيقي للزمان والمكان.
ومن هذا المنطلق فهو يؤمن أن شن الحرب على بقية الشعب ثم على بقية العالم وبطبيعة الحال على دول الجوار أولا هو واجب مقدس
ولا يقبل الحوثي أن يأتيه القوم بسلام حتى إذا قيل له خذ الحكم كله لأن ذلك بالنسبة له خللا حيث يجب أن يغزو الآخرين ويرغمهم ويأتون إليه وهم صاغرين.
فضمن نظرية الإمامة التي يؤمن بها الحوثي حد النخاع هو أخذ الأمور عنوة من الكافرين وهؤلاء الكفار هم كل من هو خارج دائرته الضيقة أي معظم اليمنيين والجوار الكبير ثم العالم بعد ذلك كله، إنه نفس جنون تنظيمات الغلو الديني من القاعدة إلى داعش .
وبناءا على هذه النظرة المتأصلة نجد رفض الحوثي لكل خطوة للسلام حيث أن السلام سيؤسس لحوار فيه ندية ويعطي كل قوة حضورا حسب الأغلبية في المجتمع وهذا يجعل مشروعه يتلاشى فتجار الحروب يكون السلام مقتلهم
وفكرة الحوار القائم على المساواة والقبول بالآخر والمفضي إلى مسار ديمقراطي يدمر مشروع مليشيا تقوم نظريتها على تحقيق ( الغلبة) أي غلب وقهر كل من هو ليس معها.
والمتابع لرفض مليشيا الحوثي لكل مبادرات السلام منذ ما قبل انقلابها على السلطة الشرعية في اليمن في سبتمبر 2014 وحتى ما بعد ذلك سيجد أنها ترفض كل إمكانية للسلم وبناء الدولة وعندما يضيق عليها الخناق وتجد نفسها في مأزق سيؤدي إلى زوالها وسرعان ما تظهر المراوغة القائمة على الموافقة الزائفة ضمن منهج ( التقية) الشهير وهو إخفاء الرفض في سلوك باطني أصيل ومتعارف عليه ( حيث يظهر للناس غير ما يبطنون ) حتى تمر العاصفة وتظهر الحقيقة الرافضة للاخر غير المؤمنة بالسلام وهذا عرفه اليمن معهم في كل محطات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة وكل الحروب منذ 2004 وحتى اللحظة
وأنا على يقين تام أن هزيمة مليشيا الحوثي في اليمن ليس فقط في تحقيق نصر عسكري حاسم ولكن بتحقيق سلام عادل وبناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على التعدد والقبول بالآخر.
ومن أجل ذلك فإن دعم مسار عودة المؤسسات الشرعية وتحقيق الإستقرار وتثبيت مسار السلام في اليمن ينهي الانقلاب الحوثي من أساسه وقوى الإرهاب والفوضى، وهو ما يجب أن نعمله وتكون هذه المبادرة حافزا لصنع مسار فاعل.
________
* سفير الجمهورية اليمنية بالمغرب .
مقال اليوم السبت 27 مارس 2021 في صحيفة الأهرام