عزالدين سعيد الأصبحي :
ما يجرى من مواجهات عالمية فى أوروبا لن يكون أثره حتما على تلك الرقعة الجغرافيا المحدودة، وستتجاوز الآثار، جليد روسيا واوكرانيا إلى وضع توازن آخر للصراعات الدولية، بل وربما إعادة صياغة العالم. ذلك العالم الذى تغير ثلاث مرات على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، وظهور القطبين، ثم الحرب الباردة، ثم الصراعات المختلفة، ليكون هناك الآن إعادة صياغة لعالم جديد. ومع تصاعد المواجهات العسكرية بين روسيا واوكرانيا، سيبقى السؤال إلى أين ستقود هذه الحرب العالم؟
الحرب عمليا بدأت منذ أشهر، عبر كل المواجهات السياسية والاقتصادية والنفسية والاعلامية، وكان هناك إعلان متواصل عن بدء مواجهة عسكرية قادمة، ولكن بقى العالم ينتظر تلك الشرارة التى ستشعل السهل الأوروبى كله على مايبدو، فالمواجهة ذاهبة إلى أن تكون مع معظم أوروبا وليس فقط فى جغرافيا شرق أوكرانيا أو محيط روسيا. وحلف شمال الأطلسى (الناتو) لم يكن فى محك اختبار جدى منذ سبعين عامًا كما هو عليه اليوم.
هذا الحلف الذى ينهى فى الرابع من أبريل المقبل عامه الثالث والسبعين، متوقع أن لا تطغى عليه علامة الشيخوخة المدمرة، فقط بل بداية موت جدى أو حياة أخرى فلا موقف رمادى متاح الآن على مايبدو! . منذ تأسيس حلف شمال الأطلسى المعروف اختصارا بالناتو، فى ٤ أبريل ١٩٤٩، وهو لم يتعرض لتهديد جدى كما هو عليه هذا الأسبوع. بدأ الحلف الذى أنشىء لمواجهة الاتحاد السوفيتى آنذاك باثنى عشر عضوا وصار الآن يضم ثلاثين دولة. ولكنه لم يخض حرب تحد واسعة، وتدخله من أجل البوسنة فى ١٩٩٢ أو تفكيك يوجوسلافيا فى ١٩٩٩ كان تدخلا عابرا لإنهاء توازن قوى عسكرية محدودة. وتدخله فى ليبيا ٢٠١١ تدخل عابر لم يكن محل رضا قوى دولية مهمة.
اليوم مع موسكو الجديدة اختلف الوضع، فالاتحاد الروسى يعود على مايبدو والنظرة تتجاوز مجرد الأمن الإقليمى، إلى إعادة النظر بخريطة النفوذ الدولى، وإعادة ترتيب موازين القوى عالميا. ما يهم الآن بالنسبة لى هو أين نحن من خريطة الصراع ؟ وأين قضايانا مما يجري؟
على صعيد القضايا العربية، لم تذكر المنطقة إلا من باب كيف لها أن تغطى عجزا سيحدث بامدادات الطاقة من الغاز والبترول ، أو بمدى تأثرنا من نفاد مخزون القمح! ومع توجه كل الاهتمام العالمى سياسيا واعلاميا لما يجرى فى روسيا وأوكرانيا لم تعد أخبار المعارك فى اليمن، أو الأزمة فى لبنان أو الخلاف فى العراق أو ليبيا ناهيك عن القضية الفلسطينية يثير اهتمام العالم ووسائل اعلامه. سينشغل العالم كلية بترتيب موازين القوى وكيف ستستفيد الصين وأمريكا، وكيف ستعمل معظم أوروبا لإنقاذ نفسها من نيران المعارك وصقيع الشتاء بسبب فقدان مصادر مهمة للطاقة.
نحن سنبقى فى رف النسيان إلى حين، وسيكون لزاما على صوت العقل الذى يصرخ فى واد ليس ذى زرع، أن يعيد الكرة مرتين فى المناداة لوضع حد أدنى من التضامن العربى والتقارب الإقليمى المحيط بنا لأجل تنسيق مواقف تعمل على وقف النزيف فى مختلف مناطقنا وبالذات اليمن، والعمل على وضع رؤية لحوار وتقارب لا يعمل فقط على تجنيب المنطقة أن تكون ميدان صراع محتدم من الواضح أن آثاره المختلفة اقتصاديا وسياسيا بل وأمنيا ستطول، ولكن أيضا إيجاد صيغ حوار وتقارب يجعل من المنطقة، قوة ترجيح إيجابية لمصلحة شعوبها فى ظل استقطاب عالمى حاد هو قادم لا محالة. هذا طرح ليس خياليا ولكنه من واقع منظور وواضح.
المنطقة العربية ومحيطها من إيران إلى تركيا ليست هامشا لا قيمة له، بل هى قلب الأحداث الذى يمكن له أن يكون صانع ألعاب خطيرة فى تحقيق اى أهداف مرجوة لأى قوى دولية، ويبقى لدى سؤال يثير لدى غصة، هل من الممكن أن يحدث تحرك عربى عاجل لتسوية ملفات الصراعات القائمة فى مختلف الساحات العربية، وبلورة رؤية واضحة تحمى هذه الجغرافيا، وتبدأ بالإسهام بجدية فى المشاركة فى صياغة رؤى وتقاطع المصالح الدولية؟. الأمر ليس خيالا فما يجرى هو إعادة رسم خريطة النفوذ وتقاسم القوى، وليس مجرد صدام عابر. حتى إذا توقفت المواجهات العسكرية الواسعة، فإن العالم بحاجة إلى توضيح حقيقة شكل التحكم المباشر فيه، هل عودة إلى القطب الأوحد، أم ترسيخ لاقطاب متعددة ؟ وهنا علينا أن نكون جزءا من هذا الأمر وليس متفرجين فى كوكب النسيان. نحن بحاجة إلى مبادرات شجاعة ترسخ السلام فى المنطقة، ورؤى أكثر شجاعة تدعو إلى الاستفادة من تكامل أدوار لدول هذه المنطقة العربية التى فيها كل عوامل التوحد والاندماج والنجاح عدا الإرادة و الإدارة!