*عز الدين سعيد الأصبحى:
هذا عالم مضطرب يجعل المرء فى حالة من الذهول الذى لا ينتهى! إنه كابوس لم نفق منه بعد!. ما يجرى من حولنا ليس واقعا !، حتما هو كابوس مزعج ليس أكثر، فلا يعقل أن تتلاحق الأمور فى العالم كل هذا العالم، وبهذا الشكل.. وتنهار كل القيم ويكون الكون بهذا القبح لا يعقل أبدا !.
عدد النزاعات يفوق التصور، وفى كل أرجاء الكوكب الذى يحترق بنفايات البشر يزداد تلاشى الدول، وتتغول الشركات العابرة للنظم والقيم وحرق الموارد.
وبحسب تحذير الأمين العام للأمم المتحدة فى قمة المناخ الأخيرة بشرم الشيخ فإن العالم يشهد حالة من الانتحار الجماعي، وأننا حقا نسير صوب الجحيم.
أرقام التدهور من تقلبات الحروب والكوارث مفزعة، فعدد النازحين حاليًا بسبب النزاعات والكوارث الطبيعية وصل إلى 59 مليونًا، وتؤكد اليونيسف أن نحو نصف أطفال العالم، أى ما يقرب من مليار طفل، يعيشون فى ظروف مصنفة على أنها عالية الخطورة للغاية بسبب عواقب تغير المناخ. وضمن الجنون الحقيقى نجد أنه فى السنوات السبع الماضية فقط، شهد العالم نزاعات لم يشهدها منذ ثلاثين عاما مضت، وهناك أكثر من نصف مليون شخص يفقدون حياتهم فى العالم بسبب الجريمة واضطراب الأوضاع.
وفى الوطن العربى وحده هناك ست حروب طاحنة وضعفها نزاعات معلنة وخفية، وتشظ فى أطراف الصراع مثير للخوف أكثر، (فحسب التقارير الأممية أيضا، أصبحت النزاعات اليوم أقل استجابة لأشكال الحل التقليدية، مما يجعلها أطول أمدا وأكثر فتكا، ويعزى هذا بدرجة كبيرة إلى اكتساب النزاعات لطابع إقليمى يؤدى إلى الربط بين المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية عبر الحدود، فتعزز بالتالى تلك النزاعات بعضها بعضا. وتشكل الحرب فى اليمن مثالا مؤلما على ذلك).
وحال بقية العالم بما فى ذلك الدول الكبرى لا يسر حبيبا، فهى تخوض صراعا دائما للسيطرة على موارد العالم وإقصاء الآخر، وتعيش قلقا مستمرا داخلها .
فأوروبا القلقة من شتاء قاس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مضطربة، من لندن الغارقة فى مشكلاتها الاقتصادية، التى تبدو أنها ستحتاج وقتا لضبط الأمور بعد أن ودعت ليزا تراس ثالث امرأة ترأس الحكومة البريطانية، وبعد 44 يوما فى الحكم لا غير.
الشابة المندفعة كانت آخر من صافحت الملكة الأم، وأول من يودعه الملك الجديد!، ويستقبل محلها هنديا مسكونا بروح تشرشل المضطربة، الذى تستقبله لندن بموجات اضطراب واضراب.
فى الجانب الآخر من المانش وعلى بعد خمسين كيلومترا لا غير هى طول النفق بين الأراضى الفرنسية والجزيرة البريطانية، ستجد أن النفق المعنوى أطول، وأنت تعبر لباريس التى تحبها وترى طوابير السيارات المنتظرة لقليل من البنزين ولا تدرى هل هى لعنة الشرق المظلوم، أم هندسة أخرى تنتظر عالما مضطربا !.
وماكرون الذى استقبل دورته الأولى من الحكم بغضب أصحاب السترات الصفراء، يستقبل الدورة الثانية بغضب من كل الألوان.
وتخيفك روما وهى تفتح ذراعيها لموجة حكم من اليمين المتطرف، وإطلاق صافرة انطلاق لريح تعصب بغيضة، فى تعزيز خطاب كراهية يدمر قيم الإنسانية التى بقينا نتغنى بها منذ مطلع القرن، وكأنها مرحلة ترسخ لاضطراب أوروبى واسع أكثر منه مجرد غضب عابر، ليتحول شتاء أوروبا الشاعري، الذى كنا نرى فيه العشاق يرمون بعضهم بكرات الثلج، إلى شوارع تتقاذف الحجارة، وجيوش ستقذف العالم إلى هاوية نووية مرتقبة.!.
ذاك الشتاء ولًى، وحل ربيع شعوب غاضبة، يشبه ماجرى فى عواصم شرقية عدة قبل عقد من الزمان.
وحدها إيران تغرق بربيعها الصعب الممتد منذ أربعة عقود ، تصدر الثورة والقلق لمحيطها وتغرق شعبها ببؤس لا حد له.
اسأل نفسى وأنا أقرأ فى تقرير للأمم المتحدة (إن 14٪ من المراهقين يعانون مشاكل فى الصحة العقلية)، لماذا لم تشمل الدراسة صفوة المجتمع ونخبته القائدة فى عالم مجنون وركزت على المراهقين المساكين؟، وتَركت المراهقين غير المساكين، من كبار تتضاءل قدراتهم كلما كبرت مواقع أعمالهم؟.
وهل الأمر مجرد تقلبات مزاجية أم مشكلة فى الصحة العقلية؟.
ذاك ليس سؤالى بل هو استفسار تفرضه دهشة الكوكب المضطرب.
* سفير بلادنا لدى المملكة المغربية
** نقلا عن جريدة الأهرام المصرية