23.1 C
الجمهورية اليمنية
7:14 صباحًا - 2 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

صنعاء بين المزار الشيعي وكذبة ولاية علي بن أبي طالب عليها (الحلقة الثامنة والأخيرة)

توفيق السامعي:

تشييع العاصمة صنعاء

على الرغم من دخول الإمام الرسي صنعاء على أيام واليها أبي العتاهية هناك في نهاية القرن الثالث الهجري، إلا أن مكوثه فيها لم يتعد شهراً كاملاً أو يزيد لم يفرض عليها أياً من أجندته الشيعية، فهو لم يكن باستطاعته من ناحية كون البلاد كلها ترفضه ومنهجه إلا أنه تسلل إليها عن طريق أبي العتاهية الذي باع نفسه للإمام، وكانت السنة -كفكر ومنهج- قوية، ومن ناحية أخرى لم يسعفه الوقت ولا القوة، حتى دخلها ابن حمزة في نهاية القرن السادس الهجري.

تضطرب الكثير من الروايات لدخول بن حمزة صنعاء، فابن الديبع يذكر في السنة الحادية عشرة من القرن السابع، ومرة يذكرها قبل ذلك في السنة الثامنة، ويذكر صاحب غاية الأماني أن بن حمزة دخلها في نهاية القرن الخامس سنة 595هـ ومرة يذكرها سنة 599ه، وهكذا.

لكن الأساس أن ابن حمزة دخلها دخولاً مؤقتاً فرض فيها بعض مظاهر التشيع مثل فرض حي على خير العمل في الأذان، ومن هناك تثبتت صيغة ذلك الأذان إلى اليوم.

استغل الإماميون اضطراب الأحداث التاريخية في اليمن وعدم ثبات المؤرخين على رواية، ومنها قول الجندي أن علياً كان والياً على صنعاء، وقد فندنا ذلك الأمر بالدليل آنفاً، وكرس الإماميون هذه المعلومة لأهداف في نفوسهم، والحقيقة أنه حتى في مصادرهم التاريخية لم يقولوا بها على وجه التأكيد، وما وجدنا في مصادرهم التاريخية من يقول بهذا القول، إلا أن الإماميين الجدد الحوثيين يحاولون طمس الحقيقة والتسلق على معلومات مضللة وإبرازها للعلن حتى في مخالفة لأسلافهم من الإماميين القدامى.

لا أعتقد أن إقدامهم على بناء مزار شيعي في صنعاء القديمة بحجة القداسة التاريخية، فماهي إلا استعراض للقوة وبسط مظاهر التشيع على العاصمة صنعاء لتكون شيعية خالصة، وهي التي لم تحوِ التشيع منذ القدم، إلا قليلاً من مظاهر الطقوس للإماميين وسط محيط كبير من السنة وقليل من المذاهب والفرق الأخرى.

فصنعاء حتى القرن السادس الهجري لم تكن تعرف التشيع، وحتى وصول يحيى بن الحسين الرسي إليها ومكوثه القصير فيها أثناء هجومه عليها في زمن اضطراب الدولة اليعفرية واستنجاد أبي العتاهية به، لم تتعدى شهراً واحداً، لم يستطع فرض أي من أجندته الطائفية؛ لأن أسعد بن أبي يعفر والضحاك الحاشدي ومن معه، طردوه منها وعاد إلى صعدة مجدداً، حتى استولى عليها السفاح عبدالله بن حمزة سنة 599هـ حين دخلها إبان اضطراب الدولة الأيوبية الأولى في اليمن؛ وكان أول من فرض فيها وعليها “حي على خير العمل” في الأذان، إذ إنه لما دخل صنعاء “أقيمت الجُمَع وأُذِّن بحي على خير العمل مع كراهة الجند لذلك”( ). وكان أول من أذن في صنعاء بـ”حي على خير العمل” مع عبدالله بن حمزة هو الشريف غانم بن علي العباسي. قال الشريف غانم: “ولقد رأيت قاضيهم [يعني قاضي الأيوبيين على صنعاء] حين رفعت صوتي بحي على خير العمل بجعل إصبعيه في أذنيه ويستغفر الله”( ).

وهناك بدأ فرض أولى مظاهر التشيع وهو الجهر بـ”حي على خير العمل” في الأذان لأول مرة في تاريخها، ومع ذلك لم يمكث بن حمزة فيها كثيراً حتى طرده الأيوبيون منها بقيادة سيف الدين سنقر وزير الأيوبيين مع القادة الرسوليين قبل تأسيس الدولة، وأعادوا الأمور إلى نصابها، ومن بعدها لم يتمكن الأئمة الدخول إلى صنعاء أو الاستيلاء عليها إلى زمن الإمام شرف الدين وابنه المطهر في القرن العاشر الهجري وتحالفه مع المماليك ضد الدولة الطاهرية وإسقاطها عام 923هـ؛ أي بعد بن حمزة بأكثر من 400 عام.

استعادت الدولة الأيوبية عافيتها مجدداً وتم إخراج عبدالله بن حمزة من صنعاء، ولم يدخل إليها مجدداً، كما لم يدخلها الأئمة من بعده، إلا أشهر قليلة في عهد المهدي محمد بن المطهر بن يحيى، ثم أخرج منها إلى أيام الإمام شرف الدين.

حاول الإمام إبراهيم تاج الدين الشريف دخول صنعاء لكنه لم يستطع، وأقصى نقطة وصل إليها في بيت حنبص من بني مطر القريبة من بيت بوس، وهناك دارت معركة بينه وبين جيش الملك المظفر الرسولي، هزم فيها الإمام تاج الدين الشريف. وفي تلك الوقعة وجد الجيش الرسولي في بيوت الإمام هناك جرار خمر كثيرة، فأنشد الشاعر الرسولي غازي بن المعمار:

ولما فتحنا بيت حنبص عنوة

   وجدنا بها الأدواح ملأ من الخمر

 فإن تكن الأشراف تشرب خفيةً

    وتظهر للناس التنسك في الجهر

وتأخذ من خلع العذار نصيبها

فإني أمير المؤمنين ولا أدري

وحتى الإمام المتوكل المطهر بن يحيى (الذي تكنيه الإمامية بالمظلل بالغمام) في عهد المظفر من الدولة الرسولية لم يستطع الدخول إليها رغم تحالفه في بعض الأوقات مع والي صنعاء للدولة الرسولية أسد الدين الرسولي ضد عمه الملك المؤسس عمر بن علي رسول، وكان يتردد فقط على خولان وضواحي صنعاء أثناء ضعف وصراع البيت الرسولي، وأدنى مكان وصل إليه من صنعاء حصن براش في جبل نقم متسللاً على خفية خوفاً من الملك المظفر الذي كان يطلبه في كل مكان، ومع ذلك تم طرده وملاحقته حتى جبال اللوز في خولان حتى هزمه الملك المؤيد بن الملك المظفر الرسولي شر هزيمة وهرب هائماً على وجهه، متخفياً في الجبال، وحتى لا تبقى تلك الهزيمة والهرب معرة للإمامية اختلقوا له قصة أن الغمام جاءته فظللته وحجبته عن الملك المؤيد حتى نجا بنفسه.

ويذكر الخزرجي أن “المطهر فر هارباً من المؤيد في جبال اللوز، وحصلت له مشقة عظيمة، وحصلت بذلك مساجلات شعرية بينه وبين الملك داوود المؤيد”( ).

فقد بعث الإمام المطهر بن يحيى قصية للملك المظفر يطالبه فيها بالتخلي عن ملك اليمن، على اعتبار أن أي حاكم في اليمن من غير الإمامية يعتبر مغتصباً للحكم ولا يجوز لغيرهم تولي هذا الحكم، فقال وهو في جبل اللوز بخولان:

تَنَحَّ عن الدَّست الذي أنت صدرُه

     وعُد عن المُلك الذي حُزته غَصْبا

رويداً إن الله قد شاء حربكمُ

   وصيَّرني الرحمنُ في مُلكِه حربا

سأجلبها شًعثا إليك شوازِبا

   مًضْمَرَّةً جُرداً مُطْهَمَّةً قِبّا

عليها لُيوثٌ من لؤي بن غالبٍ

بهاليلُ بسامون قد مارسوا الحربا

فما في جبال اللوز عار لسيد

غدت واكفات السحب من دونه دربا

فرد عليه الملك المؤيد بن السلطان المظفر، وكان شاعراً مفوهاً، بالقول:

رُويدَك لا تعجل فما أنت بعلُها

       سيأتيك فتاكٌ يعلمك الضربا

فإن تك ذا عزم فلا تك هارباً

         كعادةِ من قد صِرتَ من بعده عَقْبا

وسائل جبال اللوز عنا وعنكم

       فأفضلكم ولى وخلفكم نَهْبا

فعاملتُكم بالصفحِ إذ هو شِيمتي

      وما أنتم تعفونَ عن واقعٍ ذَنْبا

وفي حديث ابن حبان كفاية لمن أراد معرفتهم والرد عليهم، يقول الحديث: “ثم التفت -صلى الله عليه وسلم- نحو المدينة فقال: “إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي، وإن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا، اللهم إني لا أحل لهم فساد ما أصلحت، وأيم الله ليكفؤون أمتي عن دينها كما يكفأ الإناء في البطحاء”. أخرجه أحمد في مسنده [21546]، ومن طريقه ابن الجوزي في التنوير (ص: 55)، فقال: “حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ، خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: “يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا، أَوْ قَبْرِي”، فَبَكَى مُعَاذٌ جَزعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: ” إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا”. اهـ.

مزار شيعي في صنعاء!

لم يتجرأ أي من الأئمة على بناء مزار شيعي، أو الإقدام على تشييع المدينة بشكل كامل، أو فرض أجندته الطائفية عليها، حتى جاء عميل إيران عبدالملك الحوثي ويريد استنساخ التجربتين العراقية والإيرانية فيها، وهذا مؤشر خطير جداً على تشييع اليمن برمتها إن نجح في تأسيس مزار شيعي في صنعاء سيكون قبلة للتشييع في المنطقة، وليس اليمن وحسب.

يمضي الحوثي في مخطط بناء مزار شيعي في قلب العاصمة صنعاء ليكون له حج بديل عن مكة، كما فعل أبرهة الحبشي ببناء كنيسة القليس لتكون بديلاً عن مكة، وقد رأينا نموذجاً من ذلك التوجه في عامي 2017 و2018 وهو يوجه أصحابه بلباس الإحرام إلى هناك، وكذلك ليكون بمثابة مزار سياحي وحج ديني شيعي تقليداً للنجف ليستقبل شيعة المنطقة وإدرار الدخل المالي عليه، كما يفعل شيعة العراق وإيران بمزارات الشيعة في النجف وكربلاء وما تعود على معمميهم من أموال طائلة، فضلاً عن مضيه في التشييع المجتمعي بادعاء وجود عتبات مقدسة كما في العراق، والتي لن تكون مجرد مزار بقدر ما ستكون بؤرة لنشر التشيع في اليمن.

لكن سيكون نهاية ذلك المزار كما كانت نهاية القليس بأن قضى فيها رجل من أهل صنعاء حاجته فيها وسن سنة الحمامات فيها، ولن يكتب لها النجاح.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد