*د/ ابتهاج الكمال:
في بيت جدي، كانت الطبلية رمزًا لكل شيء جميل وبسيط. تلك الطبلية الخشبية المستديرة التي تتوسط مجلس العائلة كانت تحمل روح الماضي، وتحكي قصصًا لا تنتهي عن الأوقات التي جمعتنا. لم تكن مجرد طاولة لتناول الطعام، بل كانت مرآة للعائلة، تجمع حولها الجميع، وتغلف المكان بدفء لا مثيل له.
في كل وجبة، كانت جدتي تبدأ بوضع الطبلية في وسط الغرفة، وتزينها بالأطباق البسيطة التي أعدتها بحب. ما إن تُوضع الطبلية حتى يبدأ الجميع بالتوافد، كبارًا وصغارًا، من كل زاوية في البيت. كان هناك شيء ساحر في تلك اللحظة، الجميع يتجمع حولها، يقربون الأطباق إليهم، ويبدؤون بتناول الطعام، بينما تتعالى الضحكات والنقاشات.
كانت الطبلية تجمعنا على مستوى واحد، حيث لا مكان للطاولات العالية التي تفصل بيننا. كنا نأكل من أطباق مشتركة، نأخذ بيدينا ونتبادل الأحاديث في آن واحد. وأذكر جيدًا كيف كانت جدتي توزع علينا الخبز “الروتي” وتحثنا على أن نأكل معًا “بالمحبة”. كان الطعام لذيذًا، لكنه كان مميزًا أكثر بسبب الجو العائلي الذي يغلفه.
إحدى أجمل الذكريات التي أحملها من تلك الأيام هي جلسات الإفطار في صباح الجمعة. كنا نستيقظ مبكرًا ليُحضر احد الشباب الفول المغطاه بالزيت و ، بينما كانت جدتي تُعد الشاي الأحمر . وعندما نكتمل جميعًا حول الطبلية، تبدأ الأحاديث. يتحدث جدي عن قصص من الماضي، عن أيام شبابه، ويستمع الجميع باهتمام وشغف. وكنا نحن الأطفال نضحك ونلعب بين اللقمات، بينما تسود أجواء من البهجة والراحة.
كانت الطبلية جزءًا لا يتجزأ من هوية بيت جدي، تُشعرنا بأننا عائلة واحدة، مترابطة رغم اختلاف الأعمار والأجيال. حتى بعد مرور الزمن وتغير الأوضاع، تبقى الطبلية في ذاكرتنا كرمز للحب والتواصل. في كل مرة أزور فيها بيت جدي، رغم التغيرات التي طرأت على المكان، لا أستطيع نسيان تلك الطبلية التي جمعتنا جميعًا في أوقات لا تعوض.
الطبلية في بيت جدي ليست مجرد قطعة أثاث، بل هي جزء من ذكرياتنا، وسنديانة محبة غرسها الأجداد فينا، وما زالت تثمر دفء العائلة وروح البساطة.
* وزير الشئون الاجتماعية والعمل السابق.