الدكتور عبدالقادر الجنيد
الطبقة المبطنة للشعب الهوائية بها أهداب دقيقة بالملايين، تعمل مثل أرجل “الحلباني” أم أربعة وأربعين
أهداب الشعب الهوائية يجب أن تكون مبللة بسائل رائق قليل، وتفرزه غدد تحت بطانة الأهداب ولكنها تحركه إلى أعلى وترجم به إلى المعدة أولا بأول بدون أن نشعر
الغدد الدمعية تفرز سائلا رائقا لا ندري به وتنشره غمزازة جفون العين طول الوقت لتبلل سطح العين دون أن ندري.
ندمع فقط إذا زار إفراز الدمع لتهيج العين أو إذا التهبت.
وإذا التهبت العين جرثوميا يثخن الدمع ويتصمغ ويقفل الرموش والجفون ب “الخرامص”.
الخرامص في العين، هي مقابل البلغم في الشعب الهوائية داخل الصدر.
إذا حدث التهاب ڤيروسي تلتهب هذه الغدد التي تحت بطانة الشعب الهوائية وتفرز كميات أكثر وأثخن وفوق طاقة الأهداب، ويصبح ما نسميه بالبلغم فيضطر الشخص لأن يتنحنح ويبلعه أو يسعل ويتلخم وأيضا يبلعه أو يبصقه.
وإذا كنت ناقص سوائل، فإن البلغم يكون مثل الصمغ وتضطر لأن تتصارع معه بسعال شديد ومتواصل حتى تتمكن في النهاية من برح وتنظيف قصبتك وشعبك الهوائية، والغالب أنه لا يحدث تنظيف كامل لأن المدخن المتقدم يهدأ لحظة ثم تتراكم كميات جديدة ويبدأ الصراع من جديد.
**
لون البلغم واللخام
**
•أبيض أو أغبر
•إذا كان البلغم أخضر؛
فهذا يعني أن هناك بداية التهاب وقد تكسرت كراة دم حمراء، وتم اكتساب اللون الأخضر من صبغة البيلڤيدرين الخضراء
التي هي خطوة وسط في سلسلة تكسر الهيموجلوبين إلى البيلوروبين التي هي مادة الصفراء التي تذهب إلى الكبد والمرارة.
•إذا كان البلغم أصفر؛
فهذا يعني أن البكتيريا قد جاءت وضربت هذه المنطقة ويصبح البلغم قيحا وصديدا، الذي تسبب باصفرار البلغم.
البكتيريا، تفرح بالشعب الهوائية للمدخنين، وتصيبهم ب Exacerbation Of Chronic Bronchitis
أو جنون التهاب الشعب الهوائية المزمن وتدخلهم إلى المستشفيات في فصل الشتاء.
عندما عملت في بريطانيا، كانت هذه هي أكثر الحالات التي نستقبلها في مناوبات الشتاء في الليل.
وأنا أسميتها بيني وبين نفسي: “هذه هي الملاريا حقهم أو اليرقان”، لأن هذين المرضين كنت أراهما بصورة شبه يومية في تعز بعد تخرجي في أوائل السبعينات من القرن الماضي.
الجو في الجزيرة البريطانية وربما تلوث الهواء، إذا اجتمع مع التدخين، يتسبب ب “المرض البريطاني” أو British Disease
وهم بأنفسهم من أطلق هذا الإسم على هذا المرض.
شهر بعد شهر وسنة بعد سنة من السعال وصعوبة الزفير في عملية التنفس، ينتج عنها تمزق جدران الحويصلا الهوائية التي هي بالملايين وتتناقص قدرتها تدريجيا على استخلاص الأكسچين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، وبعد عدة سنين يصبح إسم هذا المدخن مريض مصاب ب “الإيمفيزيما”.
وبعد الإيمفيزيما يأتي “الفشل التنفسي”، ويحتاج المدخن المريض الأوكسيجين حتى في البيت ولمدة ١٦ ساعة في اليوم.
وإن طال الوقت أو قصر فإنه يموت والأوكسيچين يدخله من أنفه في البيت أو المستشفى.
**
التدخين والغدد
**
التدخين، يهيج الأغشية المبطنة للشعب الهوائية، ويزيد من عدد هذه الغدد المخاطية ويضخم حجمها، ويجعلها في حالة إفراز دائم لمادة مخاطية لا تستطيع الأهداب الرقيقة المبطنة للشعب الهوائية أن تتخلص منها.
لهذا المدخن يكون في حالة نحنحة وبلع وتلخام وسعال وبصاق دائم إلى منديل أو إلى متفل أو من الشباك أو إلى الشارع.
ويزعل المدخن عندما أقول له: “عندك التهاب الشعب الهوائية المزمن”
ويغضب المدخن إذا قلت له بأن إفراز البلغم أو اللخام بهذه الكمية، إنما هو مرض وإسمه “التهاب الشعب الهوائية المزمن.
ويبدأ بالمكارحة والإنكار.
وحتى يبدأ المدخن بتنويري ويشرح لي فلسفته في الحياة وجدواها ومتعها.
**
السعال و #ڤيروس_كورونا
**
١- التهاب الحلق
يسبب باحِطْ مزعج، وتهيج في الحلق مؤلم، وسعال جاف وقد يكون إذا اشتد مؤلما.
سعال جاف، يعني بدون بلغم
٢- التهاب الممرات التنفسية العلوية
يعني الشعب الهوائية
هنا تلتهب الغدد التي شرحناها مع التدخين ويبدأ المصاب بكورونا بإفراز البلغم أو اللخام.
ويكون هناك سعال وبلغم.
إذا ضرب ڤيروس كورونا هذه المنطقة التي هي أصلا مفحوسة ومدعوسة ومبهذلة بقطران التبغ أو أي دخان، فيكون المدخن في مقدمة ضحايا وباء كورونا
٣- التهاب الممرات التنفسية السفلية
يعني التهاب الحويصلات الهوائية
ڤيروس كورونا، إذا وصل هنا- يلهبها ويحمرها ويورمها ويجعلها تنشع بسوائل مثل الأرض الخَزَجَة أو السَّبَخَة، وتمتلئ الحويصلات بهذا النشع السائل الوسخ بدلا من الأوكسيچين فتتسارع الأنفاس وتصبح الشفاه واللسان زرقاء، وإذا لم يتم توصيل القصبة الهوائية للمريض بجهاز تنفس صناعي في خلال ٣٠ دقيقة، يموت المريض.
يمكن تخيل هذا الرعب، إذا استطعت تخيل كتم أنفاس شخص بالضغط على أنفه وفمه بوسادة.
امتلاء الحويصلات الهوائية بسائل هو مثل كتم الأنفاس ولكن بخنق ملايين الحويصلات.
وهنا يبدأ إتخاذ القرار المؤلم المحزن المبكي، باختيار من ينقذون ومن يتفرجوا عليه ويدعوه يموت.
ومن هنا الرعب العالمي من ارتفاع وتسارع معدل الإصابات لأن هذا بدوره سيملأ وحدات الإنعاش والعناية المركزة بهذه الدرجة من الإصابات، ولن يستطيعوا عمل أي شيئ لأنه ببساطة لا يوجد أطباء وممرضون مدربون بأعداد كافية لمواجهة هذا الضغط ولا توجد أسرة كافية مجهزة، ناهيك عن أجهزة التنفس الصناعي.
لن أسهب في وصف ما يحدث إذا وصل ڤيروس كورونا إلى الحويصلات الهوائية التي قد تمزقت جدرانها عند المدخنين.
المهلة، ستكون بالثواني وليس بالدقائق.