بلال الطيب :
كان التوجيه المعنوي جزءًا هامًا في استراتيجية حرب السبعين يومًا، حضر وبقوة في يوميات تلك الملحمة الخالدة، توجه فريقه المُتحمس إلى الجبهات، والتقى وجوه المُحاربين الجمهوريين، ولمس شغاف قلوبهم، وحفزهم على المُقاومة والصمود، وشاركهم القتال.
يُعد التوجيه المعنوي بداية انطلاق الإعلام العسكري اليمني، أسسه أحد أبطال الثورة السبتمبرية، المناضل محمد حسن السراجي، وتولى مهام تفعيله حوالي 30 ضابطًا، إلى جانب فصيل احتياطي تم تشكيله بأوامر من رئيس هيئة الأركان النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، وكان يتم دفع هذا الفصيل إلى المُواجهات في حال استجدت أحداث طارئة، وقد أدى دوره ببسالة أثناء معارك عصر.
عندما تشكلت المُقاومة الشعبية، كان ضباط التوجيه المعنوي من بين أعضاء قيادتها، ومُقاتليها، وكان لهم برنامج إذاعي يومي اسمه (حماة الوطن)، تم بثه عبر أثير إذاعة صنعاء، وكان القائمون عليه يعدونه ويسجلونه ميدانيًا.
انطلق أولئك الأبطال إلى المواقع، وعاشوا مع الجنود، ونقلوا انطباعاتهم، ورفهوا عليهم، بمُشاركات رائعة للفنان الكبير علي بن علي الأنسي، والفنان الساخر حمود زيد عيسى، الذي اشتهر حينها بشخصية (صالح علي)، فكليهما ارتديا الزي العسكري، وحملا السلاح، ورافقا فريق التوجيه المعنوي خطوة خطوة.
كما تمثلت أبرز مهام أعضاء التوجيه المعنوي في استقبال الصحفيين الأجانب، ومرافقتهم إلى مواقع التماس، وعن طريق هؤلاء المُراسلين تم نقل تفاصيل الحصار أولا بأول، وعرف العالم الكثير عن صنعاء، المدينة المنكوبة، وقصة صمودها الأسطوري.
التوجيه المعنوي، كان أيضاً كاميرا التصوير التي وثقت أحداث ملحمة السبعين يومًا الخالدة، وأسست العمل الفوتوغرافي العسكري المُحترف، وكان أيضاً منشورات الحرب النفسية، ومحاضرات رفع الروح المعنوية، والبيانات السياسية المُوجهة.
أصدر التوجيه المعنوي خلال الحصار أربعة بيانات سياسية، ثلاثة منها مُوجهة لحشود المُرتزقة الأجانب، وبيان أخير موجه للطابور الخامس، كان افتتاحه بالآية الكريمة: «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم»، وتم ختمه ببيتين من الشعر:
أما سماسرة البلاد فعصبة
عار على أهل البلاد بقاؤها
إبليس أعلن صاغرًا إفلاسه
لما تبين عنده إغراؤها
كما كان التوجيه المعنوي القصيدة الشعرية المُعبرة، ولا أروع من قول شاعر القوات المسلحة عبدالله معجب:
سبعين صنعاء يا رمز الصمود أرى
نصر الإرادة من خديك تلقيه
سبعين صنعاء في عينيك لا تدعي
ثعالب المسخ والإحباط تلهيه
سبعين صنعاء ذري كل من عبثوا
وكفني كل مدسوس ومشبوه
صدي الثعابين أن الزيف قد نضجت
أشباحه السود واجتثت أياديه
إلى جانب الشعر، كان المقامون يرددون بعض الزوامل الحماسية، منها هذا الزامل الذي صاغ كلماته محمد حسين الحضرمي:
يوم الحصار اشتد ونادانا المناد
أين الرجال بالغوث صنعاء تحتضر
أين الذي قالوا على خير الجهاد
وفكوا المدفع بأوجاه الفجر
واحنا استعدنا والأمل فينا استعاد
الله اكبر قالها كل البشر
لبيك يا صنعاء يا نبض الفؤاد
الكون لاجلك قد تجمع واحتشر
كان للتوجيه المعنوي إذاعة مُتحركة، بسيارة نقل مكشوفة، تنطلق إلى المناطق المُستهدفة بالقذائف العشوائية، وتفتح الأناشيد والشعارات والأشعار الحماسية، التي كان لها عظيم الأثر في تثبيت النفوس، وترسيخ الطمأنينة.
في شهادته على تلك المرحلة، قال المناضل جار الله عُمر: «كان من غير المألوف أنْ تشاهد سيارة تخلو من مكبر صوت مُركب على مُقدمتها، أو مُسجلة تذيع الأناشيد الوطنية بأصوات عالية، تملأ رحاب المدينة، باعثة الحماس والعزم في كل إنسان له قلب وسمع، وكانت أغنية المُقاتلين المُفضلة تلك الأنشودة الوطنية الرائعة التي كان يصدح بها صوت المرحوم الفنان علي الآنسي، ويلهج بها كل لسان: “قسما برب العزة، أني سأحمي ثورتي، وأصون جمهوريتي..”».
من جهته قال مدير دائرة التوجيه المعنوي إبان الحصار، المناضل نعمان المسعودي بإلمام شديد: «لم يكن هناك موقع عسكري لم نزره، ونعيش مع أبطاله، ومعنا الفنانون، وجهاز التسجيل، ومعدات التصوير، لم تكن هناك حارة أو شارع في العاصمة إلا وصدحت فيه الأناشيد الثورية، والكلمات الحماسية عبر ميكرفون سيارة التوجيه، التي كانت تزود المواطنين أيضاً بالمواد الغذائية الضرورية، وكان العمل الإعلامي على خط وطني واحد، من مقر إدارة التوجيه المعنوي، إلى مقر قيادة المُقاومة الشعبية، إلى إذاعة صنعاء».
وإلى جانب الصوت والقلم، والكاميرا والنغم، شارك أعضاء التوجيه المعنوي في القتال، وسقط ثلاثة من أفضل ضباطه شهداء في سبيل القضية والوطن.