33.3 C
الجمهورية اليمنية
11:40 صباحًا - 23 أبريل, 2025
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

الحوثى واحتكار اليمن!

عزالدين سعيد الأصبحى:

تعود الأحداث فى اليمن إلى واجهة الأخبار المتداولة، ويعود مصطلح الحوثية إلى دائرة السؤال، وماذا يجرى فى أقصى الجزيرة العربية هناك. ويمكن القول إن خلاف الحوثى فى الأساس هو مع اليمنيين أولًا وأخيراً، وليس كما يريد أن يسوقه بسردية أنه ممثل للأمة العربية والإسلامية فى مواجهة الهيمنة الأمريكية.

لذا ستنقشع غمة التدخلات الأمريكية، بحسب ما سيفضى إليه ملف المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وخروج منظومة الحوثى بما لا يهدد الملاحة الدولية. وكل الصراع الإقليمى والدولى يجرى بحثه فى روما أو طهران والرياض ومسقط، بعيداً عن اليمنيين، وسيجد الجميع نقاط توافق حسب المصالح الممكنة، وستبقى بعد ذلك المشكلة اليمنية بتعقيداتها الحقيقية، وأهمها اختطاف الحركة المتمردة العاصمة اليمنية، وتدمير مؤسسات الدولة فيها، بدعوى أنها تقيم دولة الاصطفاء الإلهي.

وسنجد أنفسنا نعيد القول الذى لم يسمعه الحوثي، وهو أن أولى الخطوات لإيجاد مخرج سريع هى أن الحوثى يجب أن يقتنع أنه مجرد بشر، وليس كما يرى هو وأتباعه أنه (القرآن الناطق). وأن التنظيم الذى يقوده يجب أن يبقى فى دائرة التعدد السياسى المتعارف عليه، وليس جهازاً أمنياً محتكراً للحقيقة وحاميها على الأرض.

وأن أتباعه مجاهدون ضد الكفار فى كل ربوع اليمن.

مشكلة اليمنيين مع الحوثى هى فى جوهر الفكرة للمشروع العنصرى الذى يقسم البشر بتراتبية فاشية معلنة، وليس فى شيء آخر.

وللذين يناصرون الحوثى دون إدراك، عليهم أن يقفوا بجدية حول جوهر فكرة الحركة ورؤيتها، منذ الوثيقة الفكرية الزيدية التى وضعت للحركة، ونشرت فى 2012 بوضوح بعد سنوات من التواري. وفيها إعلان احتكار الجماعة لتمثيل الزيدية بل وتطييفها، وفيها كانت أولى خطوات إقصاء كل ممثلى الزيدية التقليدية، ثم ذهابنا إلى تكريس ممنهج للمذهبية التى بقيت غير معترف بها فى الصراع اليمني، وصارت للأسف الآن عنوان صنعاء الرئيسي، وصولاً لترسيخ أن ذلك حق إلهي.

صمت الناس حينها عما بدا أنه مجرد إعلان للحركة، فى وثيقة فكرية تصادر جزءاً من الجغرافيا، وتعلن احتكار التمثيل الزيدى سياسياً. فهل يستمر الصمت، ونحن فى خطوة صار الحوثى يعلنها بوضوح: أنه حركة تمثل كل اليمن وتختزل كل الوطن بعناصره؟

وهذه مشكلة اليمنيين مع الحوثي، الذى ألغى فكرة الدولة المدنية، بل وفكرة الدولة عامة، واختزل الطائفة بشخصه (كرمز مقدس)، واختزل اليمن بجماعة أنصاره، التى اقتصرت الآن على هيكل الميليشيات القائم على منهج عسكرى مغلق، لا حزب سياسى مفتوح.

الذهاب إلى القول إنه لا نقاش فى هذا الأمر لأن الحوثى يعلن أنه يناصر غزة، وعلى الكل أن يرضخ ويسلم، وإلا فكل معارض للحوثية هو صهيوني، نوع من الممارسة الفاشية التى تخدم العدو فقط، وتدمر مستقبل اليمن.

اليمنيون لا يختلفون على القضية الفلسطينية العادلة ونصرتها، وآخر من التحق بركب النضال من أجل فلسطين من اليمنيين هم الحوثيون، ولا يزال وضعهم عند كل اليمنيين محل شك من هذه القضية، لأن جوهر الفكرة لديهم يرفض النظرة القومية والعروبة، ناهيك عن الموقف الحدى من كل أشكال الحداثة، ودولة المواطنة ونظرة المساواة والقبول بالآخر.

فالحركة ترى بنفسها مشروعا اصطفائيا يقوم على استمرار الحرب مع الغير، (هذا الغير فى الأساس هو بقية الأطياف اليمنية أولاً، ثم كفار الكون لاحقاً). نحن أمام فكر داعش تماماً بشكل آخر.

إن واقع الأحداث الجارية فى اليمن مؤلم، لأنها تدمر البلد الكبير، ليس فقط فى منشآته والبنى التحتية، ولكن فى تعزيز التشظى المجتمعي، الذى تكرسه الجماعة المتمردة فى صنعاء.

فمشاريع التقسيم المناطقى بدأت مع اختطاف صنعاء من الجماعة لأكثر من عقد من الزمان الآن.

وفكرة تعزيز الصراع المذهبى لم تكن أبداً فى خريطة المواجهات قبل تمكن الجماعة من مؤسسات عاصمة الدولة وأجهزتها الأمنية.

وستبقى أمامنا نقطتان رئيستان، الأولى حول تصور الحركة الوطنية اليمنية لليمن لليوم الأول لصنعاء ولليمن بعد الحوثى (وهذا بحاجة إلى وقفة لاحقة).

والنقطة الثانية هى تأكيد حقيقة أن المشاريع الضيقة التى تريد احتكار اليمنيين برؤية ضيقة، وجماعة محدودة، هى الخطر الحقيقى على وحدة اليمن، وعلى دولة المواطنة.

ويكفى أن نرى أن عشر سنوات من ترسيخ جماعة الحوثى لمشروع الهيمنة على صنعاء، ومأسسة الطائفية، أفرزت كل أفكار التعصب المناطقى والمذهبي، والذهاب بعيداً فى تمزيق المجتمع.

إن مواجهة هذا الواقع الصعب، ليس فقط بسرعة الحسم على الأرض، وتوحيد القرار العسكرى والاقتصادي، ولكن أيضاً بوضع مشروع دولة المواطنة فى مقدمة كل قول لبلد الحكمة والإيمان.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد