تشهد الحرب الدائرة في اليمن لاستعادة الشرعية تطورات لافتة لصالح قوات الحكومة. وتدور اليوم رحى إحدى أبرز المعارك الحاسمة، على الساحل، حول مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، وإلى جانب الاستنزاف الكبير الذي تعرض له الحوثيون في مختلف المحافظات.
يرى خبراء عسكريون أن تحرير الحديدة سيصيب الحوثيين بمزيد من الوهن الاقتصادي والعسكري، وهو ما يؤكد عليه أيضا وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، في تصريحات صحافية، شدد فيها على أن على الحوثيين التعامل بواقعية مع التطورات الميدانية والإقليمية، خاصة وأن الداعم الرئيسي لهم، وهي إيران، لن تكون قادرة على منحهم ذات الدعم الذي تمتعوا به في السنوات الماضية وهي تواجه ضغوطا داخلية وخارجية.
حث وزير الخارجية اليمني خالد اليماني الحوثيين على التعامل الجدي مع مقترحات المبعوث الأممي لليمن. ودعاهم إلى اغتنام الفرصة الراهنة للسلام “لأنها قد تكون الأخيرة”، كما دعاهم إلى التوقف عن انتظار الدعم من إيران في ظل ما تواجهه من تصعيد أميركي وإقليمي وكذلك احتجاجات داخلي.
وقال اليماني، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) ”رغم نقضهم لكل العهود والاتفاقيات، إلا أننا لا نزال نمد أيدينا بالسلام ونقول للحوثيين توقفوا عن انتظار الدعم من الخارج”، مضيفا ”ندعوهم إلى التعامل الجدي مع مقترحات المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث، فقد تكون تلك فرصة أخيرة”.
وأشار إلى أن “القوات اليمنية تسيطر حاليا على 83 بالمئة من أراضي البلاد. ولا يمكن بأي حال أن نقبل بأن تكون لدينا في اليمن ذراع عسكرية تابعة لإيران على غرار دول بالمنطقة”.
واستطرد الوزير اليمني مؤكدا على أن ”إيران اليوم غير إيران الأمس، هي تتقلب ما بين التصعيد الأميركي والإقليمي ضدها، وبين نار الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة على إثر تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني الذي تنفق قياداته المليارات من أمواله على التدخل في دول الجوار فضلا عن دعم الانقلابيين بها وتسليحهم”.
ووصف اليماني التصريحات الإيرانية بشأن قدرة طهران على إغلاق مضيق هرمز أمام شحنات النفط إذا مضت واشنطن في إجبار الدول على وقف شراء النفط الإيراني بكونها “تضر أكثر مما تنفع”.
وأوضح ”لا يمكن لأحد أن يتصور أن المجتمع الدولي سيسمح بإغلاق ممر مائي تمر منه شحنات النفط. وإذا نفذوا تهديداتهم فإن هذا قد يكون بداية النهاية الفعلية للنظام الإيراني”.
مفاوضات أممية مع الحوثيين
في المقابل، يؤكد وزير الخارجية اليمني أن “المفاوضات لم تسفر عن أي طرح جدي يمكن البناء عليه، رغم كل ما يبديه المبعوث الأممي. لقد قدّم للحوثيين خطة لتجنيب مدينة الحديدة أي معارك مسلحة خلال تقدّم قوات الحكومة اليمنية وقوات دول تحالف دعم الشرعية المساندة لها لتحرير المدينة”.
تتكون الخطة من أربعة بنود، في مقدمتها ضرورة الانسحاب الكامل لميليشياتهم من المدينة، إلا إن الحوثيين تجاهلوا هذا البند وغيره، ووافقوا فقط على بند يقضي بالإشراف الأممي فنيا ولوجستيا على إيرادات الميناء، وفق اليماني، الذي يوضح أهمية تحرير ميناء الحديدة بالقول ”الميناء يعدّ قلب الملاحة بالمنطقة في البحر الأحمر، وهو الشريان الحيوي الذي يتغذى منه الانقلابيون، فعبره يتلقون السلاح والمساعدات المختلفة من إيران، ما يطيل أمد الحرب”.
وردا على تساؤل حول ما يتردد عن عدم وجود موافقة كاملة من قبل الحكومة اليمنية على خطة غريفيث بشأن الإشراف الأممي إلى جانب الحكومي على الميناء، نفى اليماني الأمر مؤكدا أن الحكومة اليمنية “لا تمانع بوجود نوع من الحضور الأممي في الميناء للإشراف والمساعدة الفنية لتشغيله واستعادة طاقاته التشغيلية التي عطلها الحوثيون منذ السيطرة عليه عام 2014، فهذا من شأنه أن يسهم في إيصال المساعدات، ونحن بالطبع ندعم وصولها لجميع اليمنيين حتى للمتواجدين منهم بمناطق سيطرة الحوثيين… المهم هو ألا يظل الميناء معبرا لوصول السلاح للحوثيين”.
وحول السبب وراء إعلان التحالف تهدئة قبل أيام رغم وضوح قناعات الحكومة اليمنية بأن الحوثيين يرفضون السلام، قال “التجارب التي مررنا بها في المفاوضات معهم بجنيف والكويت ومن قبلها داخل اليمن لم تثبت لنا سوى أنهم جماعة تنقض العهود وتنقلب على كل الاتفاقيات ولا تريد السلام ولا تعترف باتفاقياته أو مواثيقه الدولية. ومع ذلك وكحكومة شرعية أردنا أن نمد أيدينا بالسلام ونمنحهم فرصة جديدة لعل وعسى. وأردنا في الوقت نفسه إبطال أي ذريعة قد يروجون لها بأننا لا نسعى للتهدئة أو لا نكترث لحياة المدنيين”.
طريق السلام
حول ما الذي تريده الحكومة من الحوثيين في هذه المرحلة تحديدا، قال “نطالبهم بالانسحاب من الميناء والمدينة وتسليم الصواريخ الباليستية التي تمدهم بها إيران وتسليم كامل السلاح للدولة قبل أي ترتيبات سياسية”.
وعما إذا كان سيتم تقديم تنازلات للحوثيين إذا ما جنحوا للسلام، ومدى إمكانية تخصيص نصف مقاعد الحكومة لهم، قال “بالطبع لا، كما أننا لا نتحدث الآن عن تدابير سياسية وإنما تركيزنا الأساسي حول التدابير العسكرية والأمنية. ربما في ما بعد قد يكون هناك حديث عن تفاهمات تضمن لهم أن يظلوا جزءا من مستقبل اليمن ومنظومة الحكم”.
واستنكر ما يقال بأن انضمام قيادات عسكرية جديدة وتحديدا من أسرة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح للمقاومة هو ما أدى لتحقيق الكثير من الإنجازات مؤخرا، وقال “هذا طرح غير منصف. فخلال السنوات الماضية حققنا الكثير على كل الجبهات. ربما كان البعض لا يلتفت كثيرا لما يصدر عن التحالف من بيانات حول التقدم بمناطق معينة بمختلف المحافظات، ولكن الآن، ومع اقترابنا من الحسم، شعر الجميع بأن ساعة النصر باتت قريبة”. وأكد في هذا الإطار أن “أي جندي أو مقاوم ضد المشروع الحوثي لا ينتمي إلى الشرعية فهو خارج الصف الوطني”.
واختتم الوزير تصريحاته بالتأكيد على متانة العلاقات التي تربط الحكومة اليمنية بدول تحالف دعم الشرعية، الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي تشاركه فيه دولة الإمارات العربية المتحدة بفعالية كبيرة.
وشدد على أن التلميح لوجود خلافات بين حكومته ودولة الإمارات مثلا ليس إلا “مزاعم يصيغها فقط من يريد أن يدق إسفينا بالعلاقة بين البلدين. التحالف وجد ليستمر وينتصر كما يحدث اليوم في كل جبهات المعارك باليمن”، مذكرا أنه “من الطبيعي أن تكون هناك بعض الاختلافات والتباينات في وجهات النظر أثناء أداء هذه المهمة النبيلة من أجل تحقيق غاية النصر”.