25.3 C
الجمهورية اليمنية
3:36 صباحًا - 3 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

أعلام اليمن…. المُقبلي.. وإن طال السفر

بلال الطيب :

أقـام «الأئمة» حُكمهم على جَماجم البَشر، وهيـاكل الشعارات الدينية الزائفة، غَـذى جُنـونـه شـوق عـارم للسُلطة والنفـوذ، ورغبـة جَامحة لاستعباد الناس، والتَحكم بمَصائرهم، وحين صـار وجودهم حقيقـة ثابتة، وأصل من أصـول الدين، عملوا على محـو هوية اليمنيين، وطمس حضارتهم، وإثارة خلافاتهم، وتشويه أعلامهم.

العلامة صالح بن مهدي المُقبلي، من أكثر أعلام اليمن الذين تعرضوا للمحاربة والتشويه، والسبب؛ نبذه للتقليد، ودخوله مناظرات مع علماء عصره، وصلت إلى حدود المنافرة، وفيهم قال: «وإذا حضر إليهم الرافضي من فارس، نظروا اليه وكأنه ملاك هبط عليهم من السماء»، وزاد على ذلك: «إتني بزيدي صغير، أخرج منه رافضياً كبيراً»

وحينما قال في بعضهم:
قبح الإله مُفرقا
بين القرابة والصحابة
من كان ذلك دينه
فهو السفيه بلا استرابه
أتاه الرد من أحدهم:
أطرق كراً يا مُقبلى
فلأنت أحقر من ذُبابة

والأدهى والأمر من ذلك، أن الخسة وصلت ببعضهم إلى أن يطعنوا بنسبه، ويؤكد ذلك قول أحدهم:
والمُقبلي ناصبي
أعمى الشقاء بصره
لا تعجبوا من بغضه
للعترة المـطهرة
فأمه معروفة
لكن أبوه نكرة

ولد «المُقبلي» عام «1047هـ»، في قرية «مقبل»، من جهة «لاعة»، ونشأ في «ثلا»، وتعلم فيها وفي «كوكبان»، ثم انتقل إلى صنعاء، وفيها عاصر كبار غلاة الزيدية، أمثال يحيى بن الحسين بن «المؤيد»، المُتهم الأول والرئيس بالجهر بسب ولعن الصحابة في اليمن، حسب إفادة صاحب «أنباء الزمن».

بالغ «المُقبلي» في نصح «المتوكل» إسماعيل بإقالة المتعصب المذكور من احدى المناصب، حتى عُزل، لم يستمر ذلك العزل طويلاً، وقد صار لهذا «المتشيع» ـ فيما بعد ـ تلاميذ وأنصار كُثر، وما الحضور «الاثنى عشري» في الموروث «الزيدي» إلا امتداد لذلك.

كان «المُقبلي» بليغ النثر، شديد الإقناع، قوي الحجة، وله مؤلفات عدة، أشهرها: «العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ»، و«الابحاث المسددة في مسائل متعددة»، و«الإتحاف لطلبة الكشاف»، و«الأرواح النوافخ»، و«الأبحاث المسددة»، و«المنار على البحر الزخار».

وقد أجملها «الشوكاني» بقوله:
لله در المُقبلى فإنه
بحر خضم جان بالإنصاف
أبحاثه قد سددت سهما إلى
نحر التعصب مرهف الأطراف
ومنارة علم النجاح لطالب
مذ روح الأرواح بالإتحاف

وقال عنها الحسن بن إسحاق:
حافظ على كتب الإمام المقبلي
وعلى فوائده الجليلة واقبل
واقبل نصيحته بتركك مهنة الـ
تقليد وانظر في الأدلة واعمل

وقال «الشوكاني» عنها وعنه: «في عباراته قوة، وفصاحة، وسلاسة تعشقها الأسماع، وتلتذ بها القلوب، ولكلامه وقع في الاذهان، قلّ أن يمعن في مطالعته من له فهم».

بعد أن ارتفعت وتيرة مؤذاة غلاة الزيدية لـه، عاف «المُقبلي» المقام باليمن، ورحل سنة «1080هـ» بأهله إلى مكة المُكرمة، وهناك اتهمه بعض العلماء بـ «الزندقة»، بل واشتكوه إلى السلطان العثماني محمد الرابع، إلا أن الأخير انتصر له، وأكرمه بحلته، بعد أن أرسل عدد من العلماء لاختباره.

ظل «المقبلي» مرتبطاً بما يدور في بلده من أحداث، ولم يتوقف عن مراسلة الأئمة، واسداء نصائحه الصادقة لهم، وكانت آخر رسائله للإمام صاحب المواهب، وقد خاطبه في إحداها قائلاً: «فإن أهل يافع مثلاً، وأهل صعدة إن قاتلتموهم على الإسلام فهم مسلمون يشهدون شهادة الحق.. وحاصل حربكم مفسدة ظاهرة، قتل النفوس، وإهلاك الأموال، وظهور العجز».

توفي «المُقبلي» في مكة المكرمة «1108هـ»، وقد كانت حادثة انصاف السلطان العثماني له، سببا لانتشار كتبه في «بلاد الترك»، وقد جاء أحدهم بعد وفاته من «داغستان» إلى صنعاء، واستقر فيها مدة باحثاً عن مآثره، وفي هذا الباحث تحقق قول القائل: «لابد من صنعاء وإن طال السفر».

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد