عز الدين سعيد الأصبحي :
عادت أخبار اليمن تتصدر المشهد الإعلامى والسياسى إقليميا ودوليا، وذلك بسبب تنامى الخطر القادم من ميليشيات الحوثى المتمردة، ووصول خطر ما تقوم به على الأمن الإقليمى والدولى، وليس لسبب آخر رغم أهمية هذا البلد الجميل الذى لا يحضر ذكره للأسف إلا مع أخبار الكوارث.
وقد ضج اليمنيون منذ سنوات حول مأساتهم، وخطورة الميليشيات الحوثية التى تزعزع الأمن الداخلى والإقليمى والدولى.
ولكن لم يعرهم العالم الاهتمام المستحق، فاليمن ضحية الجغرافيا، فهو بعيد وقصى عندما يأتى حديث عن الاهتمام بالإنجازات والتواصل، ولكنه مهم عندما يكون على شفا حفرة من نار وعرضة للاختراق، فهنا ينتبه الكل للشقيق الذى يجب أن يكون حارسا يقظا للبوابة الجنوبية للوطن العربى، حتى لا تغدو بوابة للفوضى.
وهو انتباه بحاجة إلى مزيد من اليقظة حتى لا نجد البلد الكبير وقد تُرك فى يد ميليشيات متمردة وقلة منفلتة، وذلك حقا ما سيضع المحيط كله على صفيح ساخن .
ذلك التنبيه حول خطر مشروع ميليشيات الحوثى تجاه الدولة اليمنية ليس جديدا فقد ارتفع صوت الكثير من اليمنيين حوله ولم يجد الاهتمام الكافى عالميا، ومازال البعض فى مراكز قرار دولية مختلفة لا يعطيه أى اهتمام وضمن حالة لا مبالاة تطول كل ما هو عربى على العموم.
وسخر البعض من الطرح اليمنى الذى كان يقول إن مشروع إيران أكبر مما يتخيله بعض المراقبين وأنها تصنع جغرافيا جديدة فى الإقليم على خاصرة الجزيرة العربية وعلى مرمى حجر من الأراضى المقدسة، ولم يعط الأمر حقه فى دوائر صنع القرار الدولى. وبقيت مراكز القرار أسيرة لتحليلات مجموعات ضغط تحكمها دوافع ضيقة أو خفة عجيبة فى قراءة المشهد، بل وجد البعض أنها فرصة للتشفى والانتقام من كل المنطقة وإغراق الخليج كله بمستنقع عنف عجيب.
اليوم ربما وبعد سبعة أعوام بدأت بعض الجهات الدولية تدرك أن ما كان مزحة فى أقصى شمال اليمن، صار مشروعا جديا تتقاسمه القوى الإقليمية، وأن هناك خطرا حقيقيا على الأمن الإقليمى والدولى يتطلب إعادة النظر، والكثير من الصبر والتعاون. الأمر ليس مجرد معركة عسكرية تنتهى بواقعة حربية ولكننا نواجه مشروعا عميقا يقسم المجتمع وينشر الفوضى بوعى لتتجاوز الجغرافيا اليمنية، ويحدث خللا اجتماعيا مهولا يتجاوز اليمن أيضا، ويعزز كارثة اقتصادية هى الأسوأ فى المنطقة. مشروع لتعزيز حالة من التشظى المجتمعى قبل أن يكون مواجهات عسكرية صرفة.
وبالتالى فإن مشروع استعادة الاستقرار فى اليمن، لا يحتاج فقط إلى قوات عسكرية ولكن لعودة ضبط مشروع الدولة الذى تعمل الميليشيا على ضربه.
لقد عاش اليمن فى دوامة واضحة منذ سنوات، ولم تكن القوى السياسية لعقود على مستوى المسئولية. ومارست السلطات آنذاك عبثا امتد لسنوات طويلة، وتجاهلت أنين مجتمع صابر يرى فسادا مهولا وتقسيما غير منصف، فانفجر الغضب فى 2011، وخشى الإقليم على الوضع وسارع للعب دور رجل المطافى وانشغلت القوى اليمنية المتنفذة للأسف بتقاسم المغانم، أكثر من تعزيز مؤسسات الدولة، وتربصت القوى الحاكمة السابقة للانتقام فجاءت بتحالف ميليشيات الحوثى المتمردة، فكانت هذه الرحلة التى تحتاج إلى سفر مطول للكتابة عنها من اختطاف الثورة إلى اختطاف الدولة.
لم يدرك الجميع خطورة مشروع متربص ليس فقط بثورة الشارع ولكن بالدولة كلها، بل ماوراء الدولة اليمنية أيضا، حيث يلج إلى البوابة الجنوبية للوطن العربى.
ولكن يبقى استمرار انهيار الدولة أكبر الخسارات وأشد أنواع الكوارث مأساوية فى العمق اليمنى وأعمقها أثرا على المحيط الإقليمى.
وخلال سنوات الأزمة التى يمضى عليها عقد من الزمان الآن، تاه كثير من الشركاء والوسطاء لأنهم لم يقرأوا هذا المشهد اليمنى بعمق، وكثير ما وقع هؤلاء بشرك تعقيدات العلاقات اليمنية ــ اليمنية، التى تبدو بسيطة للوهلة الأولى ولكنها حتما غير ذلك، ليجد كل وسيط نفسه يغرق فى رمال متحركة لا تنتهى .
ولكن يبقى مفتاح الحل بحاجة إلى نقطة البدء، المتمثلة فى عودة ضبط الأمور، بتقوية بنية الدولة، واحترام هذا التنوع الهائل للبلد، فنحن اليوم أمام مشهد سييء غابت فيه الأحزاب عن واقع العمل على الأرض بعد أن كانت تملأ الدنيا ضجيجا، وجاءت الجماعات المسلحة لتملأ الفراغ الذى يتسع كل يوم للأسف.
وزاد نفوذ كل من يستطيع فرض نفسه ورؤيته ونُصب قائدا، وجاء التنصيب من أصغر أبناء الحى أو القرية وحتى الدول، فتلك طبيعة الفراغ الذى يجب أن يُملأ، فالطبيعة كبطون العامة يجب ألا تبقى فارغة حتى لا تحدث كارثة.
رؤية الحل ليست معقدة إذا حضرت الإرادة السياسية الدولية.
وقد أبدع اليمنيون وثيقة فيها معظم وصفة الحل، تلك مخرجات الحوار الوطنى الشامل، ففيها ملامح الحل القابل للتطبيق وشكل الدولة الممكنة، وأقله أرضية نقاش نبدأ منها الآن للخروج من المأزق، حيث لا نحتاج إلى اختراع العجلة ثانية كما يقولون.
أما وصفة تجنب استمرار الكارثة ورسم مسار السلام، فواضح بعودة السلاح إلى مؤسسات الدولة، وجعل الناس فى طمأنينة ألا عودة إلى احتكار السلطة والثروة، والاحتكام لمبادئ الديمقراطية. ويبقى اليمن الكبير المتنوع القادر على التعايش والقبول بالآخر ضمن مشروع يضمن العدالة والمساواة، وذلك وحده مسار السلام، وينهى اختطاف الدولة كونه الضامن الوحيد لإنهاء التمرد والانفلات، وتلك أولى مهام النخبة اليمنية قبل غيرها.