24.2 C
الجمهورية اليمنية
9:53 صباحًا - 3 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

هبة الكوارث

عز الدين سعيد الأصبحى:

وتأبى المصائب أن تأتى فرادى كما قيل، وذاك أمر ينطبق على جميع المستويات سواء الوطنى أو الإقليمى والدولى. باختصار هناك وضع مضطرب، على كل مستوى تذهب إليه ومن المفارقات انى أقرأ الآن خبرا عن احتمال اصطدام كويكب بالأرض، والخبر يقول: إن علماء وكالة «ناسا» كشفوا أنهم فى المرحلة الأخيرة من مهمتهم لتجنب اصطدام كويكب بالأرض بقوة تعادل 22 قنبلة ذرية.

ويعتقد العلماء أن يوم 24 سبتمبر 2182 يمثل اليوم الذى يمكن أن يضرب فيه الكويكب بينو (نسبة إلى اسم طائر مصرى أسطوري) الأرض. وإذا تم فموعده مثل اليوم بعد مائة وتسعة وخمسين عاما، وذلك ليس ببعيد حيث ستبقى كوارث الانقسام فى أمتنا حتى وصول الكويكب على مايبدو، مع قليل من التفاؤل.

ومن يقول لك بأن الأمور تحت السيطرة هو حتما خارج نطاق الخدمة مؤقتا! (بحسب رد شبكة الهاتف المحمول عند قطع الاتصال).

ودوما ما نسمع أن الاضطرابات المناخية هى جزء من مؤامرات سرية، وليست نتيجة عبث البشر واستهتارهم، هذا العبث المستمر بكل الموارد الذى جعل الحالة الكونية بصورة تقول (أينما وَلَّيْتَ وجهكَ: فكلُّ شىء قابلٌ للانفجارِ ) .

وتحاصرك أخبار الكوارث الطبيعية والبشرية. فما فقنا من زلزال (الحوز) فى المغرب، حتى جاء إعصار درنة فى ليبيا، إلى أخبار الفيضانات والحرائق المتلاحقة فى العالم، والأهم منها حرائق الحروب والنزاعات المتفاقمة.

وإذا استطاع المغرب أن يلملم جراح زلزاله بسرعة، ضمن هبة مجتمعية مثيرة للإعجاب، عبر تعزيز تعاضد المجتمع وإظهار مكامن القوة والثبات فى مؤسسات الدولة (ومن عاش اللحظات مثلى فى زلزال المغرب يعرف مدى الدرس العظيم الذى قدمه المغاربة فى التلاحم المجتمعى ورباطة الجأش). بينما أبرزت سيول إعصار درنة فى ليبيا جرحا عميقا فى قلبنا العربى من أثر تمزق المؤسسات وتشظيها، وذاك لعمرى هو إعصار مستمر يضرب الحاضر والمستقبل.

وفضح إعصار درنة نفاقاً دولياً لا يحتمل، فكل دعم الأمم المتحدة تساوى مع دعم تاجر واحد فى ليبيا، وقدم الشعب الأصيل درسا فى الصبر والتلاحم تمنيت أن يصل إلى القيادات والمجتمع الدولى.

وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: (درنة تمثل صورة حزينة لحالة عالمنا حيث يعم طوفان عدم المساواة والظلم، وعدم القدرة على مواجهة التحديات).

نعم قبل انهيار السدود كانت ولاتزال مشكلتنا انهيار المؤسسات وعجزنا عن صنع السلام.

وإن كانت محن الزمان كثيرةٌ لا تنقضى… وسرورها يأتيك كالأعياد !! كما قال الإمام الشافعى، فهى أيضا محطات مهمة للمراجعة، وفى الشعوب الحية تكون فرصة للنهوض أكثر قوة.

وفى الحروب المدمرة مثلا التى منيت بها الشعوب الحرة وقيض الله لها قيادات ملهمة، كان الخروج من الكارثة مذهلا فى صنع تماسك مجتمعى، ورؤية تنهض بالناس وتلملم جراحهم، وتحول غضبهم وحزنهم إلى طاقة مبدعة للانطلاق.

وحسب الشافعى نفسه أيضا فقد قال قولته الشهيرة : (جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ ، وَإنْ كانت تُغصّصُنِى بِرِيقِي. وَمَا شُكْرِى لهَا حمْداً، وَلَكِن عرفت بها عدوى من صديقى ).

وما حولنا من اضطرابات ممتدة من اليمن إلى السودان، إلى لغم سد النهضة، مرورا بجرحنا الفلسطينى فليس أقل غضبا من كوارث الطبيعة، إن لم تكن أشد مضاضة، وذاك إفساد آخر لمناخ السياسة والإنسانية، وأشد تلوثا من إفساد مناخ الطبيعة. لكن يبقى الأهم هو كيف نمتلك الإرادة فى التغلب على الكوارث والانتصار على المحن.

وأنا على يقين من أن مواجهة كوارث الطبيعة مهما بدت مدمرة، تبقى أهون بما لا يقاس من كوارثنا كبشر. فها نحن فى تجارب حروبنا الداخلية نصنع أمراء حرب لا قادة فكر، وتَصنع القوى الدولية والإقليمية ميليشيات لدينا تتناسل كالفطر وتنتهى المؤسسات، وبينما تفتح المعسكرات السرية أبوابها تُغلِق مراكز البحث والعلم نوافذها. وأصبح لدينا فى بلدان النزاعات عشرات الميليشيات والآلاف من مخازن الأسلحة، ولا نجد فريقاً طبياً مؤهلاً، ولا قدرات بشرية فى التخطيط والإدارة.

لدينا معسكرات مكتظة بكل خردة أسلحة العالم، ولا نملك مصنع إنتاج للتكنولوجيا، لدينا حقول ألغام لا حقول قمح. تلك هى المأساة الأشد والكوارث الأسوأ من كوارث الطبيعة. لهذا ما يحتاجه الناس برامج وخطط لبناء الدول وقوة لصنع السلام وليس لإشعال الحروب.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد