23.1 C
الجمهورية اليمنية
5:21 صباحًا - 2 مايو, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

خاطرة رمضانية حول “طاقة” الصيام

توفيق السامعي:

يدور الكثير من الجدل بين الناس سواء كانوا علماء أو متعلمين أو مثقفين أو باحثين مهتمين بالدراسات الإسلامية، حول جزئية من جزئيات تشريع الصيام وتطبقيه، وخاصة في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة184.

والجدل يدور تحديداً حول تعريف لفظ “يطيقونه”، وهل معناه أنه عدم القدرة أم القدرة مع التعويض؟!

والمختلفون على رأيين؛ رأي يرى أن الصيام كان منذ البداية اختياريٌ فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً، ورأي يرى أن هذا الحكم نسخ بالآية بعدها على سبيل الوجوب والإلزام في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ البقرة185. وقد فُصِّل أيما تفصيل في حالات المجازين وسبب جواز الإفطار.

وأصحاب الرأي الأول يذهبون إلى أن الحكم هنا لم ينسخ وإنما هو على سبيل التوسيع على الإنسان، وذلك بناءً على قراءة أن “يطيقونه” بمعنى يستطيعوه، وإنما يعوضون بالفدية عن ذلك بإطعام مسكين، بينما أكد الله – سبحانه وتعالى- حكم وجوب الصيام في الآية بعدها مباشرة (فليصمه)، واستثنى المريض والمسافر، فهل تكون الأحكام هنا متضاربة؟!

الحقيقة لا تضارب في الأحكام، وفي الحالتين هو وجوب الصوم على كل مستطيع مقيم، وأن معنى يطيقونه هنا لا يستطيعون، أو عليهم مشقة وتعب، بدليل تعقيب الله لذلك بقوله (وأن تصوموا خير لكم).

فاللفظ “طاقة” هنا من ألفاظ التضاد في العربية الواردة في القرآن الكريم؛ واللفظ يحمل الضدية في نفسه وإن كان من الدرجة الثانية، فهو بمعنى الإستطاعة وعدم الاستطاعة في آن واحد.

هناك ألفاظ تضاد في القرآن الكريم تحمل معنيين متضادين؛ مرة للنفي ومرة للإثبات، وتكون الألفاظ بذلك صريحة وواضحة في حمل هذا التضاد؛ وهناك ألفاظ تضاد من الدرجة الأولى، وألفاظ تضاد من الدرجة الثانية، وغالباً ألفاظ التضاد من الدرجة الثانية هي التي تشكل على الفهم، وبالتالي يتوهم القارئ أنها لنفس المعنى، ولا يتبين اختلافها ودقتها إلا العالمون.

فألفاظ التضاد في القرآن الكريم الصريحة من الدرجة الأولى عددها عشرة ألفاظ، وهي: (قسط ـ رغب ـ ظن ـ شرى ـ من ـ أمد ـ مولى – قرء ـ بيع ـ قنع).

وألفاظ التضاد من الدرجة الثانية؛ أي بتأويل ضديتها، وعددها سبعة ألفاظ، هي: (بشرى ـ بسط ـ زوج ـ أيم ـ هدى ـ ولى، طاقة).

وهناك ألفاظ متضادة من الدرجة الثالثة لا يفهمها إلا النحويون، وعددها أربعة، وهي: (عسى ـ لعل ـ كان ـ ورأى)، كما عند النحويين.

ونحن نتحدث فقط هنا حول اللفظ “طاقة”؛ فهذا اللفظ يحمل التضاد في نفسه سواء اقترن بلا النافية قبله كما في قوله تعالى: ﴿قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾البقرة249، أو بدون لا النافية كما في قوله تعالى السابق عن الصيام: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة184.

وهذه الصيغة واللفظ عند البلاغيين مثلها مثل القسم، مرة يأتي القسم مجرداً من لا النافية، وكذا لام القسم، ومرة تسبقه لا النافية غير العاملة، فمن شواهد الأول قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾الأنعام109، ومن صيغة الثاني قوله تعال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾البلد1، مع العلم أن أكثر صيغ القسم في القرآن الكريم تكون مصحوبة بـ(لا). وقال اللغويون: إن ورود صيغة القسم مسبوقة بـ”لا” هي صيغة مبالغة، وقال بعضهم “لا” زائدة ليست على الوجوب، وبعضهم قال: اللام هنا يكون للتوكيد.

هذا التعدد في الصيغ اللغوية، ومنها التضاد في القرآن، كما قال اللغويون بسبب تعدد اللغات/اللهجات العربية التي حواها القرآن الكريم. ونحن في بعض مناطق اليمن ترد مثل هذه الصيغ ويرد اللام للتوكيد، كما في لهجة خُبان مثلاً، وهي عاصمة حمير، يقولون: لا حُبُّك؛ أي أحبك، واللام هنا للتوكيد.

والدليل في وجوب الصوم بعد لفظ (يطيقون) الجزم بالإلزام ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ البقرة185، وهنا لا يكون ناسخاً ولا منسوخاً؛ إذ لا يعقل أن تتابع آيتان للنسخ والمنسوخ مرة واحدة، ولا ناسخ في القرآن بل هناك سعة وتعدد أحكام وتفصيل.

وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: كان عاشوراء يصام، فلما نزل فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. وروى البخاري عن ابن عمر وابن مسعود، مثله.

وقوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، كما قال معاذ: كان في ابتداء الأمر: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا. وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال: لما نزلت: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.

ويكفينا نحن المسلمين سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فهو خير من طبق القرآن واقتدى الناس به، ولا مثار للجدل بعد تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- وجوب الصوم إلا في حالات الاستثناء التي استثناها الله سبحانه من مرض وصيام وإلزام التعويض (فعدة من أيام أخر).

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد