29.7 C
الجمهورية اليمنية
7:06 مساءً - 21 نوفمبر, 2024
موقع اليمن الاتحادي
اقلام حرة

اليوافع يحكمون الجنوب

بلال الطيب :    

بعد «28» عاماً من سيطرة «الدولة القاسمية» على يافع، أعلن «اليوافع» استقلالهم «1093هـ / 1684»، ونصبوا صالح هرهرة سلطاناً عليهم، بمساعدة ورضا السلاطين: معوضة بن عفيف، وأحمد الرصاص، وصالح العولقي، وأحمد بن شعفل، أناطوا به مهمة قيادتهم وإنقاذهم من حكم الأئمة، وهو ما كان.

مُنتصف العام «1097هـ»، وبعد وفاة «المؤيد الصغير»، ارتفعت وتيرة الخلافات القاسمية، أمراء كُثر أعلنوا أنفسهم أئمة، ليستقر الأمر في النهاية على «الناصر» محمد بن «المهدي» أحمد بمنصورة الحجرية، و«المنصور» يوسف بن «المتوكل» إسماعيل بضوران ذمار، حظي الأخير بمساندة ودعم غالبية الأمراء، أرسلهم أواخر ذات العام بجيش كبير لمحاربة مُنافسه، إلا أن أمطار السماء ومناعة قلعة المنصورة حالت دون انتصارهم، دارت الدائرة عليهم، فنكل «الناصر» بهم جميعاً.

في العام التالي، انتقل «الناصر» إلى ذمار، كانت يافع همَّه الشاغل، استقدم مُقاتلي «اليمن الأعلى»، وأغدق عليهم من أموال «اليمن الأسفل» المنهوبة، وجعل على كل قبيلة قائداً منهم وعريف، ثم أرسلهم إلى رداع، حيث عمه الحسين، استعان الأخير بهم، وأعلن نفسه إماماً!!.

بعد إخماده لتمرد عمه، انتقل «الناصر» إلى رداع «1100هـ»، ليوجه في العام التالي مُقاتليه صوب يافع، جاعلاً عليهم أحد عبيده، نكاية بشيخ همدان خليل بن جابر، تصدى «اليوافع» لهم في البيضاء، لتبرز بطولة امرأة يافعية تُدعى نُور علي العفيف، كانت بمثابة القائد لهم، انسحبوا بعد مقتلها إلى جبل العُر، تحصنوا فيه، ودافعوا عنه باستماته، لأن سقوطه يعني هزيمتهم، وقديماً قيل: «لا العُر باقي فيافع بالوجود».

عاد الإماميون أدراجهم، أنشق الشيخ خليل عنهم، وعاد إلى قبيلته همدان مُغاضباً، لتسانده في تمرده ذاك بعض القبائل، دارت حروب، هزم في أخرها، ليقوم «الناصر» بإعدامه وعدد من المشايخ، كما قام بنفي عشيرته، واستصفى أموالهم لنفسه، وعن ذلك قال «أبو طالب»: «وكان الإمام بعد الاستيلاء، والفوز بالقدح المعلّى، أجلى همدان عن بلادهم، وأركبهم البحر فبلغوا إلى الهند والصين، وأمر أن يصاح بإهدار دمائهم، وخراب كل حصن لهم حصين».

عاود «الناصر» محاربة يافع، أرسل حملة بقيادة الأمير عامر بن صالح «1102»، هُزمت في «الخرقة»، فعززها بحملة أخرى بقيادة ولده القاسم، لم يستطع الأخير رغم انتصاره البقاء، فانسحب كسلفه إلى قعطبة، عرف الإمام حينها أن «اليوافع» مرهوبين الجانب، شديدو المراس، وأنَّ تضاريس بلادهم وعرة، وحصونهم منيعة، فما كان منه إلا أن جيش «20,000» مقاتل، وقادهم بنفسه.

في البدء أرسل حملة عسكرية بقيادة الأمير علي بن يحيى إلى «تيم ـ ردفان»، لتدور هناك مواجهة شرسة بين الجانبين، انتهت في جولتها الأولى بانتصار الغزاة، لتقلب نجدة «اليوافع» الموازين، كانت هزيمة الإماميين ماحقة، قُتل الأمير علي، والقائد محمد فرحان، فيما سقط الأمير عامر بحصانه من على مرتفع شاهق، لتسمى المنطقة التي لفظ فيه أنفاسه بـ «حقفة عامر».

أرسل «الناصر» حملة أخرى إلى «ربوة ـ يافع»، دارت في «جربة غالب» معركة شرسة، ليلجأ الإمام بعد هزيمة وانسحاب قواته إلى مراسلة السلاطين، وتوصل معهم إلى عقد هدنة، عمل على نقضها، لم يَرُد «اليوافع» على تحرشاته، ظن ذلك ضعفاً، فجيش هذه المرة «40,000» مقاتل.

تداعى ثوار الجنوب للمواجهة، عقدوا اجتماعاً بـ «المحجبة» عاصمة السلطان هرهرة، ثم شنوا هجوماً كاسحاً على القوات الإمامية التي تمركزت جنوب رداع «1103هـ»، هزموهم شرَّ هزيمة، وأجبروهم على المغادرة، عمل «الناصر» بعد ذلك على استمالة السلطان عبدالله الفضلي، والسلطان الرصاص إلى صفه، نجح مع الأول، وفشل مع الأخير، ليتوجه أواخر العام التالي فور علمه بوفاة السلطان معوضة بجيشه الجرار إلى البيضاء.

جدد سلاطين الجنوب حلفهم للمرة الثانية، توجهوا إلى البيضاء، هزموا الغزاة في «الدرب»، ولحقوا بالفارين إلى «نجد السلف»، وطاردوا «الناصر» إلى «نجد الجاح»، أجبروه على الاستسلام، وأفرجوا عنه بعد أن افتدى نفسه بمال عظيم، وكانت غنائمهم من تلك المعارك كثيرة.

في تلك الأثناء، سيطرت فرقة إمامية بمساعدة السلطان الفضلي على قلعة «الطرية ـ أبين»، بعد أن حاصرت حاميتها اليافعية، وأجبرت قائدها على الاستسلام، ليلجأ الفضلي بعد ذلك إلى «اليوافع»، بعد أن أساء الإمام معاملته، جدد الأخير دعوته «1107هـ»، وغير لقبه إلى «الهادي»، وأرسل «30,000» مقاتل إلى يافع، وفي أسفل جبل العُر كانت هزيمتهم، وفي «الرعاع ـ لحج» دارت معركة ثانية، هزموا فيه أيضاً.

بداية العام «1108هـ»، أرسل «الهادي» جماعة من خلص عساكره إلى البيضاء، لقوا حتفهم جميعاً، فما كان منه إلا أن كلف ابن أخيه القاسم بن الحسين بالانتقام، حقق الأخير انتصاراً خاطفاً، وعاد أدراجه مُتباهياً، ليغير الإمام لقبه في العام التالي إلى «المهدي»، جهز جيشاً كبيراً، وجعل عليه أكثر من قائد، وفي «المعسال ـ يافع» كانت هزيمتهم.

كان «المهدي» قد بنى بالقرب من رداع مدينة ملكية أسماها الخضراء، اشتد عليه فيها المرض، فعاف المقام بها، وغادرها إلى ذمار «1110هـ»، بعد أن أمر بهدم منازلها، ليبني شرق ذمار مدينة المواهب، ومن يومها عُرف بصاحب المواهب.

امتدت ريح الثورة إلى ريمة ووصاب، ثار أهاليها على عاملهم الظالم، فأرسل إليهم «المهدي» بجيش قبلي بقيادة صالح بن حبيش، مارس الأخير فيهم جرائم حرب، قال عنها «أبو طالب»: «واستأصلهم بالقتل والنهب والحريق، حتى كان الواحد منهم يقطع أُذن المرأة من أجل الخرص الذي فيها، ولقد بيع ذلك بصنعاء والآذان بها أو بواقيها»، ثم وضع الإمام عليهم أدباً من المال لا يطاق، وولى عليهم عامل أشد جوراً من سلفه.

في الوقت الذي كانت فيه صعدة خارجة عن سلطاته، ويحكمها إمام قاسمي آخر، سيطر «المهدي» على جزيرة زيلع، وجعل منها مركزاً عسكرياً، ومحطة لتزويد السفن، وصار بذلك مُتحكماً بمدخل البحر الأحمر من الجهتين، لتزدهر في عهده تجارة البن والرقيق، وكانت مردودات ذلك عليه كبيرة، بدأت مطامعه حينها في تأسيس دولة قوية تتبدى، وكما حيَّد أقاربه الإقطاعيين، ونكل بأغلبهم، حاول هذه المرة الاستغناء عن القبائل، وعمل على تكوين جيش نظامي من العبيد الأفارقة.

رغم قوته؛ لجأ «المهدي» إلى مُسالمة سلاطين الجنوب، في البدء تزوج من أخت السلطان قحطان معوضة، وجعل صداقها حمولة عشرين جمل، وتعمد إرساله عبر الضالع حيث الأمير شعفل، تقطع الأخير للقافلة، الأمر الذي أغضب قحطان، ليعيدها بعد أن تدخل وسطاء، مُفوتاً على الإمام فرصة اشعال الخلاف، كما حاول «المهدي» مصاهرة السلطان الرصاص، والسلطان العولقي، وعمل جاهداً على استرضاء الجميع، إلا أنَّ محاولاته باءت بالفشل.

عاد «المهدي» بعد ذلك لإرسال حملاته العسكرية، جهز حملة كبرى بقيادة ثلاثة من الأمراء «1113هـ»، ليتحقق النصر في العام التالي على يد ابن أخيه القاسم بن الحسين، أقام «المهدي» أعراساً عظيمة، وحبس الأمير المنتصر خوفاً من تطلعاته، وقد صار الأخير فيما بعد إماماً، وتلقب بـ «المتوكل»، وهو المعروف بـ «القاسم الرهيب».

صار «اليوافع» بفعل الأسلحة والأموال التي غنموها أكثر قوة وفاعلية، بدأوا يفكرون جدياً بالتمدد، سيطروا بقيادة السلطان قحطان على لحج وعدن «1114هـ»، أرسل «المهدي» جيشاً كبير لإخراجهم، بقيادة صنوه المحسن، نجح الأخير في ذلك، وفي عدن كانت وفاته، كما جهز «المهدي» في ذات العام حملة أخرى بقيادة ولديه إبراهيم وعبدالرحمن، وفي السوادية فاجأهم الثوار بهجوم كاسح، وهزموهم شرَّ هزيمة.

توفي السلطان صالح هرهرة «1116هـ»، وتولى ولده ناصر الحكم، قاد الأخير في العام التالي قواته إلى «الرعاع ـ لحج»، نجح في السيطرة عليها بعد أن أخرج منها الحامية الإمامية، وإلى أبين قاد السلطان قحطان قوات أخرى، واستعاد بهم السيطرة على قلعة «الطرية».

حضرموت هي الأخرى لم تكن بعيدة عن ذلك التوسع، كان الصراع فيها على أوجه بين السلطان بدر بن محمد الكثيري، ومنافسه السلطان عمر بن جعفر الكثيري، اعتنق الأخير المذهب الزيدي، وسيطر لبعض الوقت على أغلب المناطق، فيما ذهب الأول صوب يافع، مُستنجداً بالسلطان ناصر هرهرة، فأنجده الأخير بـ «6,000» مقاتل.

مثل ذلك الاستنجاد نقطة تحول فارقة في تاريخ حضرموت، وإكمالاً للمشهد، قال صاحب «تاريخ الدولة الكثيرية»: «ولم تدخل سنة 1117هـ إلا وقد استولى بهم بدر على جميع حضرموت.. غير أنهم استبدوا بالحكم دونه، ولم يستطع كبح جماحهم في شيء.. وظلت البلاد سائرة في بحر من الفوضى».

حضرموت التي استقلت عن «الدولة القاسمية» أواخر العام «1093هـ»، ظلت الحاميات الإمامية فيها، ليقوم «اليوافع» حال وصولهم بطردها، وعن ذلك قال «أبو طالب»: «أخرج أهل يافع من بحضرموت من الزيدية، وكانوا رتبة من الأيام المهدوية الأحمدية، وقد كانوا بها أهل أسباب ونخيل».

من جانبه أرسل «المهدي» بقوات قبلية لنجدة السلطان عمر «1118هـ»، دخلت حضرموت عبر البحر، ودارت بينها وبين «اليوافع» حروب كثيرة، ليأمرهم عمر بعد انتصاره بالمغادرة، بعد أن أغدق عليهم الأموال، وأرسل لإمامهم بالهدايا.

ولإشغال «المهدي» عما يدور في حضرموت، توجه السلطان ناصر هررة بقوات كثيرة صوب مدينة إب «1120هـ»، عاثوا فيها نهباً وخراباً، لينسحبوا بعد علمهم بوصول قوات إمامية، بقيادة أميرين، كمن «اليوافع» لهم في بعدان، هزموهم، وقتلوا المئات، واحتزوا رأسي القائدين، ثم أكملوا مسيرهم راجعين، وقال شاعرهم مُتباهياً:

تعز خذْناها وأخذنا قعطبةْ

وإب والراحةْ ونجد الجاحْ

ويريم خذناها وخذنا ما بها

وانتم بها أمسى السمر فيها متاح

استثار «المهدي» القبائل، وخاطبهم: «دونكم والأخذ بالثأر»، أغدق عليهم الأموال، وجعل الشيخ صالح حبيش ـ صاحب مجازر ريمة ـ قائداً، وفي «المعسال» نكل بهم «اليوافع» شرَّ تنكيل، ليجهز الإمام في العام التالي حملة أخرى وأخيرة بقيادة أخيه إسحاق، توفي الأخير قبل أن يكمل مهمته، وقيل أنه مات مسموماً.

أمتد نفوذ «اليوافع» حينها من لحج إلى عدن، وحكمهما السلطان ناصر هررة لـ «22» عاماً، كما سيطروا بعد وفاة السلطان بدر على حضرموت، وهروب السلطان عمر إلى صنعاء،  وقد عاد الأخير منها «1129هـ»، بعد أن أمده «المتوكل» القاسم بن الحسين بـ «400» مقاتل، لقوا حتفهم جميعاً، هرب بعد هزيمته إلى عُمان، وفي مسقط كانت وفاته.

اللافت في الأمر، أن الشاعر الحضرمي سعد السويني، تنبأ بتلك الأحداث قبل وقوعها بقرنين، حيث قال:

رأسي ضرب من حنة المدافع

لا حل لبدر يوم جاب يافع

في وقتهم صار الذليل شاجع

بالعودة إلى لحج وعدن، استطاع «المنصور» الحسين بن «المتوكل» القاسم استعادتهما «1140»، إلا أن فضل العبدلي تمكن بعد أربع سنوات من قتل عامله على لحج، تحالف حينها العبدلي مع السلطان سيف بن قحطان، واستعاد بمساعدة الأخير المدينتين «1145هـ / 1733»، مُعلناً قيام «السلطنة العبدلية»، وكان للسلطان اليافعي نصف الخراج، و«500» قرش تدفع سنوياً، وقيل أن العبدلي كان حاكماً باسمه لا أكثر.

أما حضرموت، فقد حكمها «اليوافع» لقرون، «آل كساد» في المكلا، و«آل بريك» في الشحر، فيما حاول «آل غرامة» حكم  تريم، وتعد «السلطنة القعيطية» من أكبر النجاحات السياسية اليافعية، ضمت الأخيرة تحت لوائها غالبية البلاد الحضرمية، وكان معظم السكان ضمن رعاياها.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد