توفيق السامعي:
مبعث خالد بن الوليد إلى اليمن
وأما خالد بن الوليد فبعث إلى بني الحارث بن كعب بنجران فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا بغير قتال . “وعن محمد بن إسحاق قال: قدم على رسول -الله صلى الله عليه وسلم- كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك بإسلامهم ومفارقتهم للشرك. فقبله وهم: الحارث ونعيم ابنا عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، وصل به ذو يزن بن مرارة الرهاوي “.
فقد بعث إلى بني الحارث الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد في جمادى الآخرة من السنة العاشرة للهجرة، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثاً قبل أن يقاتلهم، فأسلموا بغير قتال، فكتب خالد بذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- كتاباً، وأمره أن يقبل إليه ومعه وفدهم.. فوفد مع خالد بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبدالمدان، ويزيد بن المحجل، وعبدالله بن قراد، وشداد بن القناني، وعمرو بن عبدالله الضبابي .
أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى اليمن؛ نجران وهمدان (همدان: صعدة والجوف وعمران حالياً، ومكونها قبيلتا حاشد وبكيل) يدعوهم إلى الإسلام ثلاثاً فإن أسلموا علمهم الإسلام ورجع دون قتال، وإن لم يسلموا قاتلهم.
فأسلم القوم دون قتال، وفي رسالة خالد التالية للنبي -صلى الله عليه وسلم- خير دليل. فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورآهم قال: “من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟
قيل: يارسول الله، هؤلاء رجال بني الحارث. فلما وقفوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم قالوا: نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “وأنا أشهد أن لا إله إلا الله”. ثم سألهم: “ما الذي تغلبون به الناس وتقهرونهم”؟، قالوا: لم نَقِل فنذل، ولم نكثر فنتحاسد ونتخاذل، ونجتمع فلا نتفرق، ولا نبدأ أحداً بظلم، ونصبر عند البأس”.. وأقاموا مدة يتعلمون فرائض الدين، ثم استأذنوه -صلى الله عليه وسلم- في الرجوع إلى بلادهم، فأذن لهم، وأمر عليهم قيس بن الحصين، وكتب له كتاباً، وبعث إليهم بعد رجوعهم عمرو بن حزم الأنصاري يفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام” .
وهم الذين بعد ذلك بعث إليهم الرسول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليحصل الزكاة منهم فقط، ولم يصل علي إلى صنعاء البتة..
وجاء في كتاب/رسالة خالد بن الوليد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد النبي رسول الله، من خالد بن الوليد
السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد:
يا رسول الله فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا التقيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم.
وإني قدمت إليهم ودعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وبعثت فيهم ركباناً يا بني الحارث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمر الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى يكتب إلي رسول الله، والسلام عليك يارسول الله .
ومن خلال رسالة خالد بن الوليد فإن همدان ونجران (وهي اليمن المعنية في رسالة الرسل المتتابعين أو الولاة كخالد وعلي بن أبي طالب) قد أسلمت دون قتال في عهد خالد بمجرد أن عرض عليهم الإسلام سلماً دون حرب، وسنجد أن بعد هذه الرسالة وهذا الحدث أن استدعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالداً بن الوليد للعودة وبعث علياً إليهم مجدداً ليقبض منهم الصدقات وليس ليدعوهم إلى الإسلام، وكانت رسالة علي وموطنه محدودين في شمال الشمال لليمن في صعدة ونجران والجوف، كما سيأتي. فقد كان خالد بن الوليد رجلاً عسكرياً صاحب حرب لا صاحب فقه، وكان علي صاحب فقه، وكان يرسله الرسول على الصدقات.
ورد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رسالة خالد برسالة أخرى كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد النبي رسول الله، إلى خالد بن الوليد
سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد:
فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبرني أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم، واقبل وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله”.
وليس بعد رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دليل لإيضاح الأمر في أن بعث خالد كان ولاية عامة، وإسلام أهل نجران وهمدان من اليمن على يديه، وأن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إنما أرسل لقبض الصدقات، ويدحض رواية إسلام اليمنيين على يديه في يوم واحد.
….. يتبع في الحلقة الخامسة مبعث علي بن أبي طالب لقبض الصدقات