توفيق السامعي:
من كعبة “القليس” الأبرهية الحبشية إلى “المزار الشيعي” في صنعاء القديمة، محاولات لفرض أجندة طائفية، وإضفاء القداسة على المدينة التي بنيت في القرن الأول للميلاد كعاصمة صيفية للدولة الحميرية، كأقدم مدينة في الجزيرة العربية ما زالت قائمة حتى اليوم، ومصادرة لتاريخ المدينة العريق وحضارتها الإنسانية، وتشييع رمز اليمن الحضاري..
قوائم المؤرخين لولاة النبي على صنعاء
للمؤرخين أقوال ومسميات، وقوائم وسلسلات عديدة في عمال النبي -صلى الله عليه وسلم- على اليمن، وقد أوردوا أكثر من ثلاث سلاسل مختلفة لأسماء أعلام، أو مجتزأة لبعضهم، وكل مرة لا يتفق مع الأماكن التي أرسلوا إليها.. فمثلاً: هناك سلسلة ساقها ابن الديبع يقول: “روي سيف عن عبادة الليثي أنه -عليه الصلاة والسلام- أفرد كل رجل بخبر، فصرف عمالة حضرموت بين ثلاثة.. وعلى نجران: عمرو بن حزم، وعلى ما بين نجران ورمع وزبيد خالد بن سعيد بن العاص، وعلى همدان عامر بن شهر، وعلى صنعاء شهر بن باذام، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة، وعلى مارب أبو موسى الأشعري، وعلى الجند يعلى بن أمية”
وهذا خلافاً لما ذكرته معظم الروايات سواء في مصادر الحديث أو السير أو عند المؤرخين؛ فأبو موسى الأشعري أرسل مع معاذ بن جبل ليكون والياً على تهامة (عك والأشعريين وزبيد) وليس على مارب، ولذلك كان قريباً من معاذ وكانا يلتقيان مع بعضهما للتدارس ومعرفة أحوال الآخر. ومعروف أن خالد بن الوليد كان على نجران، إلا أن يكون استخلف بعد عودته بعمرو بن حزم، وهذا لم يتم تأكيده.
وفي قائمة وسلسلة أخرى عند ابن الديبع “توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعماله يومئذ على اليمن ثلاثة: أبان بن سعيد بن العاص على صنعاء وأعمالها. ومعاذ على الجند ومخاليفها، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت وأعمالها. وقيل: استعمل – عليه الصلاة والسلام- المهاجر بن أبي أمية المخزومي على كندة بحضرموت، فمرض بالمدينة ولم يطق الذهاب إلى حضرموت فكتب – عليه الصلاة والسلام- إلى زياد بن لبيد ليقوم على عمل المهاجر”.
وهناك قائمة أخرى يذكر المؤرخون فيها ولاة صنعاء للنبي وهو فيروز الديلمي على أنه قاتل الأسود العنسي، وكذلك قيس بن مكشوح المرادي، وفروة بن مسيك، بينما يذكر الجندي على رأس قائمة ولاة النبي على صنعاء أبو بكر الصديق وبعده علي بن أبي طالب، وهذا ما سيتم دحضه لاحقاً في موضعه بعد حين؛ لأن الجندي كان من الصوفية المعتقة التي تنسب كل شيء لعلي والصحابة بغير تروي ولا دليل.
ويُذكر وبر بن يحنس الخزاعي في ولاة صنعاء، ويذكر فروة بن مسيك المرادي في ولاة صنعاء أيضاً، والاثنان يذكران على أنهما من ولاة النبي -صلى الله عليه وسلم، والاختلاف بينهما في من بنى جامع صنعاء.
لكن ابن هشام يروي أن فروة استعمله الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قومه مراد وزُبَيد [قبيلة من الجوف وليست زبيد تهامة] ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة.
وروي بن عباس قال: قاتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأسود وطليحة ومسيلمة بالرسل، ولم يشغله ما كان به من الوجع عن القيام بأمر الله والذب عن دينه. وذكره الواقدي فيمن أسلم من أهل سبأ (يعني وبر)، وروي عنه أنه قال: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “إذا قدمت صنعاء فأت مسجدها الذي بحيال ضين [جبل شمال صنعاء بهمدان يطل على ضروان وغيرها] فصل فيه”، فلما قتل الأسود العنسي قال وبر: هذا الموضع الذي أمرني به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أبني فيه المسجد”( ).
ولعل الأمر التبس على الرواة في أمر الولاة؛ فقد كان بعضهم ولاة لتحصيل الصدقات وتخميس الأخماس، كما هو حال علي بن أبي طالب، وكان البعض الآخر ولاة ولاية عامة كمعاذ وخالد بن الوليد، ومن هنا تعددت الروايات والقوائم، ونحن نرجح ما شهر منها وكان عليه أكثر الروايات.
وقد كان إجماع الرواة والمؤرخين على أن جامع الجند بناه معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، والاختلاف في باني جامع صنعاء. فالأكوع يقول إن باني مسجد صنعاء هو نفسه معاذ على مبرك ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهناك من يقول إن باني مسجد صنعاء هو فروة بن مسيك، ورأي ثالث يقول إن بانيه أبان بن سعيد بن العاص بينما وبر بن يحنس الخزاعي يقول إنه باني مسجد صنعاء، وهو أقوى دلالة وإيضاحاً من قول الأكوع، ولذلك نرجح أن وبر هو باني مسجد صنعاء، وبناه كما هو معلوم في السنة الحادية عشرة للهجرة في وقت وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه بني بعد جامع الجند بعامين.
هذا الاضطراب في قوائم المؤرخين لولاة النبي على صنعاء، نفذ منه الإماميون للادعاء أن علي بن أبي طالب كان أحد ولاتها ليقوموا اليوم بتشييعها وبناء مزار شيعي (مقدس) لهم، مع أن علياً لم تطأ قدمه صنعاء مطلقا.
ولم يكن إماميو اليوم أكثر توجهاً من إماميي الأمس الذين ما استطاعوا تشييع المدينة ولم يذكروا في تاريخهم أي حضور لعلي في صنعاء؛ فتاريخ الإمامة فيها يبدأ بعد وفاة علي بقرون عديدة.