موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

لا هدايا مجانية !

*عزالدين سعيد الأصبحى:

** فى ليلة واحدة انقلب حال العالم، وقرر سيد البيت الأبيض أن يضع الاقتصاد العالمى على حافة الهاوية. الرجل الذى لم يكمل فصله الأول من السنة الرئاسية، أشعل حروبا عدة، أكثرها ضجة الحرب التجارية العالمية التى أشعلها، حيث أدت الرسوم الجمركية المتبادلة إلى ضرب الاقتصادات الكبرى، وتسببت فى انهيار أسواق الأسهم وتقليص آفاق النمو.

وترامب وحده شاغل الناس لكنه ليس مالئ الدنيا ،كما كان شاعرنا المتنبى (مالئ الدنيا وشاغل الناس، وباعث شغفهم بالشعر)، فهذا باعث للقلق العالمى، فى إشعال حرائق حروب لا تنتهى.

وازدادت هذه الحرب حدة فى الثانى من أبريل/نيسان الذى أطلق عليه ترامب «يوم التحرير»، حيث أعلن عن مجموعة من التعريفات الجمركية المتبادلة تستهدف جميع البلدان تقريبا التى تتعامل معها الولايات المتحدة، مما يشكل ضربة قاسية للتجارة الحرة والعولمة. نعم العولمة التى بقينا لأربعة عقود، نفكك خطابها، هاهى تتعرض من عقر دارها لضربة تلو الأخرى.

ما يجرى ليس قرارا انفعاليا، بل هو ضمن إستراتيجية إعادة صياغة النظام العالمى، والنهج (الترامبي)، وهو نهج يعزز مبدأ (الترامبية) كرؤية، وليس كتصرف فردي.

وسواء كان القرار صائبا أو خاطئا، فإن ما سيحكم على نتيجته هو القدرة على تحويل الضغط إلى مكاسب من دون إغراق السفينة التى يجلس فيها الجميع. وأذكر هنا بما يقوله الخبراء منذ أيام وهو أن «ترامب وضع يده على محرك اقتصاد عالمى بنته الولايات المتحدة نفسها، عقب ربحها العظيم بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انتقلت من مجرد لاعب إقليمى خلف المحيطات إلى رأس إمبراطورية عالمية أصبحت تقرر مصير العالم منذ ذلك الحين».

الخطر الحقيقى يكمن فى أن تتحول الخطوة من أداة ضغط أمريكية إلى إستراتيجية صدام مفتوح فى المجتمع الدولي. ولكن الرجل يخاطب الناخب الامريكى لا المواطن فى إفريقيا وآسيا، فخطوة ترامب تأتى كجزء من إستراتيجية تهدف إلى حماية الاقتصاد الأمريكى وإعادة ترتيب قواعد التجارة العالمية بما يخدم مصالحه الطويلة الأمد له لا للعالم. تلك إستراتيجية لا توجد فيها هدايا مجانية. وذاك ما يسوقه بقوة ويعزز من نهج ما قلنا عليه (الترامبية)، والتى يمكن لها أن تعيش بعد رحيل ترامب نفسه ووفاته، إلى أن يحدث صدامٌ أوسع يوقف قطار الاندفاع السريع.

صباح الثالث من أبريل الحالى لم يكن يوما عاديا فى أسواق العالم، إنه بداية تحول يصنع قواعد عالم جديد لابد له أن يكتمل. ففى يوم واحد خسرت الأسواق 3 تريليونات دولار، وانخفض الدولار والنفط وتراجعت الثقة.

هذه الخطوة تهدد دولا صغيرة بالانهيار . فمثلاً نجد أن الرسوم الجمركية المضادة المفروضة على دولة صغيرة مثل ليسوتو تبلغ 50%، وهى أعلى نسبة رسوم على قائمة طويلة من الاقتصادات المستهدفة من الرئيس الأمريكى، وتلك خطوة من شأنها أن تقضى على المملكة الصغيرة الواقعة فى جنوب القارة الإفريقية.

وتتمتع ليسوتو بفائض تجارى كبير مع الولايات المتحدة، ويتألف معظمه من الألماس والمنسوجات، بما فى ذلك سراويل الجينز من ليفايز. ذاك مثل صغير لما يحدثه تحرك الفيل فى غرفة مكتظة بالفخار. وكيف يمكن أن يتحول سروال الجينز الأمريكى الشهير لكفن مؤلم لدولة فقيرة مرمية فى جنوب القارة الإفريقية.

الخطوة من وجهة نظرى تتسق مع رؤية جديدة للنظام، أكثر منها إجراءات انفعالية بشأن الربح والخسارة. أمريكا هنا تعيد صياغة النظام العالمى، بناء على رؤية تقول إنها تريد شركاء، أشخاصا أقوياء فى العالم، لا تكتلات تقليدية، وتنهى مرحلة عقود من نشر قيم كل ما بقى من نظام الحرب العالمية الثانية. فنحن فى خضم حرب كونية جديدة لابد لها من نظام آخر، ستخلق أمامنا محاور قوة جديدة. لهذا نتفهم اضطراب الاتحاد الاوروبى، وتحفز الصين، وتقارب بوتين وترامب.

فأمريكا تتخلص بجدية، من كل نظرية التعاون الدولى القائم على مناصرة قضايا كانت تؤمن بها، أو تدعى الإيمان بها، إلى إعادة صياغة العلاقات على مبادئ جديدة، تقوم على اساس الرابح المنفرد. ولكن ذلك إعصار لا ندرى إلى أين ستجرف رياحه الشديدة هذه السفينة العالمية المهتزة. لكن ما يمكن قوله إننا فى منطقة رغم أنها فى عين الإعصار، فإننا يمكن أن نلمح ضوءا آخر قادما، وأرجو ألا يكون ضوء قطار الاندفاع قبل أن يدهسنا فى هذا النفق الذى علقنا به كأمة، وأن نتمكن رغم الصعاب من اقتناص الفرصة فى ترتيب أوضاع المنطقة.

نحتاج إلى رؤية شجاعة تصنع محورا ينجو بهذا الوطن العربى الممتد من الماء إلى الماء، فقط إذا أخمدت نيران خلافات قبائله لا أكثر.

* سفير بلادنا بالمملكة المغربية الشقيقة

** نقلاً عن جريدة الأهرام المصرية

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد