28.1 C
الجمهورية اليمنية
10:02 صباحًا - 28 أبريل, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

*الصمت المدوي فى اليمن !

** عز الدين سعيد الأصبحى :

أقرب توصيف لحالة الصمت والترقب القائمة فى اليمن، أنه صمت ( مدوي)، يصم الآذان المتلهفة لسماع الحقيقة!.

فمنذ أن أعلن عن زيارات ووساطات متعددة، إقليمية ودولية الأسابيع الماضية، والأخبار المتداولة لا تخرج عن إطار حرب الشائعات المستمرة، التى تُنهك عامة الناس أكثر من الصراع المباشر.
نعم توقفت المواجهات العسكرية الواسعة بشكل واضح ودون أى هدنة رسمية أو رعاية دولية، مجرد تفاهمات متعارف عليها، وتواصلات معلنة وغير معلنة، أفضت إلى صمت منهك، وتُركت بقية جوانب الحرب قائمة من اقتصاد مترد، يهدد قرابة سبعة عشر مليون إنسان بالجوع، وقرابة أربعة ملايين نازح داخلى يعانون الأمرين، إلى عملة نقدية مقسمة وإلى حرب نفسية تستنزف الروح وتعمل على قتل الأمل.
المشهد الغرائبى مرده إلى عمق الانقسام الذى أحدثته الحرب فى المجتمع اليمني.
أما السلام فهو مطلب الناس وأملهم ولكن يبقى السؤال كيف يكون ذلك؟
والأهم إذا لم تذهب الأمور إلى معالجة جذور المشكلة، فنحن نُغلق على الجرح بعملية إقفال سريعة لا أكثر . حيث سيبقى عفن الجرح لحرب تلد أخرى.
فالحرب المؤلمة القاسية، التى اُبتلى بها الشعب اليمنى لم تكن حربا عبثية كما يطرح البعض، بل هى دفاع عن دولة انهارت ووطن يُختطف الآن، ورفض لمحاولة تكريس واقع صراع جهوي- مناطقى مسلح بنظرة دينية مذهبية مغلقة. وبالتالى الذهاب إلى السلام بحاجة إلى شجاعة فى طرح حلول تعمل على وقف النزيف أولا، والأهم إلى معالجة جذور الصراع. وما جرى من سيطرة ميليشيات الحوثى على صنعاء فى 21 سبتمبر  2014، يجب توصيفه بشكل أكثر دقة فهو ليس انقلابا فقط ينتظر اعترافا خارجيا، بل هو تمرد ضرب مؤسسات الدولة الشرعية، وجريمة بحق حالة الإجماع الوطنى الذى كان قد وصل إليه الناس، ذاك هو الأمر باختصار.
فالجرائم بحق المجتمع، ليست مجرد تعبير عن وجهة نظر، وإرهاب الناس بالقوة ليست ثورة تعكس غضب وتطلعات الشعب، يمكن أن تجد مباركة وطنية، كما يتوهم البعض، بل ذاك تمرد عمد إلى ضرب مؤسسة الدولة، وجريمة مستمرة بحق حاضر الوطن ومستقبله.
والأخطر بهذا الجُرم أنه عمد إلى منهج خلق تشطِِّ مجتمعى يمزق نسيج المجتمع كل يوم، سنعانيه منه لفترة ليست بالقصيرة.
وجوهر الصراع الواضح فى اليمن والأهم هو أن الناس لا يقبلون باحتكار السلطة والثروة واختطاف القرار بيد جماعة أو منطقة أو فئة.
فقد ولّى عهد القبول بمنطق الغلبة واحتكار السلاح وبالتالى التحكم بالبلد من فئة ضد بقية المجتمع.
والأهم أن هذا المجتمع خبر الديمقراطية ويعرف أسسها وبالتالى لا يمكن القبول باحتكار القرار والبلد، ولا القبول بقلب حقائق الجغرافيا والتاريخ، تحت أى مسمى، بل علينا القبول بهذا التنوع المجتمعى الخلّاق، الذى سيكون مصدر قوة عند الاعتراف به ويصبح وقود كارثة عند تجاهله.
وبالتالى فإن أى حوار يتجاهل تلك البديهية سيعيد فقط كرة الحرب إلى وسط ملعب مشتعل.
نعم الناس بحاجة للسلام حقا، ولا يقتصر ذلك على توقف المواجهات العسكرية، والتزام الحوثى بعدم تهديد الأمن الإقليمى والدولي، ولكن إلى المطالبة بالسلام الداخلي.  وعدم تهديد الأمن المجتمعى وهو الأهم فى هذه اللحظة، وخلق الشعور بالأمن فى أعماق اليمنيين، وعودة الثقة التى ضُربت فى الصميم، وتلك أمور لا تحتاج بيانات دولية فقط ، بل بحاجة إلى بشر على الأرض يفتحون الطرق المغلقة بين المدن والقرى، ويقفلون ملف الاختطاف والسجون، وبحاجة إلى وقف عبث تقسيم العملة الوطنية، الذى يريد به الحوثى ليس فقط سرقة الأموال ولكن تقسيم اليمن، بسابقة انفصالية لم تحدث فى التاريخ، وبحاجة إلى رفع نقاط التفتيش بين المدن التى تخلق صراعا مناطقيا ومذهبيا مؤلما، وقبل وبعد  بحاجة إلى إنهاء حصار مدينة تعز الذى سيبقى وصمة عار وذكرى مؤلمة تشهد على مدى تجذر الحقد الطائفى الذى وصل إليه اليمن.
تلك القضايا هى من يفتح مسار السلام فى اليمن وهى الخطوات التى يريد الناس رؤيتها تتحقق، للخروج من الكارثة.
لذا فقرار السلام بحاجة إلى شجاعة أكبر من قرارات الحرب دوما، وهو بحاجة إلى القوة الوازنة المؤمنة بالحقوق المتساوية للجميع وبالنهج الديمقراطي فى الحكم ، والمحتكمة للعقل والمنطق، وليس الرضوخ للمنطق الخارج على القانون.
نعم تعب الناس من الحرب وكرهوها، ولكن معالجة وقف الحرب يكون فى معالجة أسبابها وبشجاعة.

* نقلا عن جريدة الأهرام المصرية

** سفير بلادنا في المغرب

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد