30.5 C
الجمهورية اليمنية
12:30 مساءً - 27 أبريل, 2024
موقع اليمن الاتحادي
Image default
اقلام حرة

غيبوبة جيل وضياع وطن!

*عز الدين سعيد الأصبحى:

يدخل اليمن مرحلة عبث جديدة، مع تدافع هدنات ترسخ واقعا للتمزق أكثر منها سنحة للسلام. فمع نجاح القوى الدولية والإقليمية بضغطها على مؤسسات الشرعية فى اليمن بتمديد هدنة جديدة لشهرين آخرين بدءا من الثانى من يونيو، وعلى أن يكون محورها وأساس ثباتها فك الحصار عن تعز إذ بميليشيات الحوثى كما توقع معظم الشارع اليمنى البسيط ـ ترفض ذلك، وتبدأ مسلسلا من المراوغة التى لم يعد فيها شيء من ذكاء وتذاكى بقدر ما هو تعزيز لمسار يمزق الوطن اليمني، واستمرار لحرب المنتصر فيها مهزوم. وأظهر تشدد الحوثى تجاه رفض فك الحصار عن تعز، ما حاولت الميليشيات أن تخفيه لسبع سنوات مضت، حول حرب استهدفت مؤسسات الدولة، وتشظى المجتمع واستحداث خطاب طائفى معمق. فقد بقى شعار ميليشيات الحوثى ولاتزال تعلن أن حربها هى حرب ضد الاستعمار الأمريكى والبريطاني. بينما تذهب فى تعزيز خطاب طائفى وبناء ميليشيات على فكرة مذهبية موغلة فى العداء تجاه الآخر. ومن المضحكات المبكيات أن ميليشيات الحوثى تقصف تعز، وهى عاصمة اليمن الثقافية، يوميا وتحاصرها منذ سبع سنوات بمجموعة ميليشيات مضللة تقول إن اقتحام تعز يقود إلى القدس جغرافيا، بل وذهب معظم وفد الحوثى من العسكريين الصغار، نهاية مايو المنصرم إلى العاصمة الأردنية عمان ولقاء المبعوث الدولى الخاص باليمن والمقيم هناك، للمشاورات حول فك الحصار عن تعز، وهم لم يسبق لهم زيارة مدينة تعز التى يحاصرونها، بل ويقنعون الخبراء الدوليين فى العاصمة الأردنية أن تعز هذه على تخوم القدس المحتلة!، مؤمنين بهذه الجغرافيا المتخيلة وأن خلف هذه المدينة القابعة وسط اليمن فلسطين!، ( ولا أدرى إذا صدقهم أحد المستمعين الدوليين!).

ذكرت هذه النكتة المبكية لندرك حجم كارثة التضليل الذى نعيشه، ومدى الجهالة التى يقع فيها جيل يذهب مع ريح التعصب المقيت، ويدفع بالآلاف من أبناء اليمن للموت فى جزء من وطنهم وهم يرددون صرخة ( الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل ) وبقناعة أن هذه الجغرافية التى يأتون لغزوها من قرى تبعد عنها نحو الستمائة كيلومتر هى فى منطقة أعداء كفرة.
لذا لاغرابة فى أن تجد منشدا فى بلاد الشام تابعا لحزب الله ينشد: إسرائيل سوف نُبكيك و(تعز سوف نمحوك!!). صعقنى ذاك النشيد المتداول فى وسائل التواصل الاجتماعي، والذى يظهر حجم التضليل الذى يتم. ولا يدرك المنشد الصغير أن المدينة اليمنية التى يريد أن يمحوها، لا تزال تعتمد توقيت القدس، وكل بيت فيها له ذكرى ما مع فلسطين وتضحياتها، والمدينة الوحيدة التى تسمى بناتها غزة ويافا!.
ليس من السهل إسقاط هذه النظريات المتخيلة عن أعداء الوطن الذين تصورهم جماعة الحوثى ومعها تيار يتوسع ، لأنصارها، لأعداء متخيلين تقصد بهم على الأقل ثمانين فى المائة من سكان اليمن وجغرافيته، الذين هم فى نظرها أعداء الإمام الحاضر والغائب من صعدة إلى طهران، وبالتالى هم كفار ودواعش وأعداء الوطن، ويجب التعامل معهم بناء على نظرية بقاء اليمن أرضا بلا سكان. والمشكلة أن هؤلاء الذين تريد ميليشيات الحوثى أن تمحوهم، كما يقول منشدها هم جل الشعب اليمنى أن لم يكن كله.
والمعضلة الأكبر أن قدر تعز بوابة لهذا الشعب، فالأمر يتجاوز مجرد فتح معابر وفك حصار مدينة، إلى تفكيك عقلية تزداد تصلبا فى رؤيتها الفاشية المؤغلة باستلاب تاريخى مخيف، وإنهاء النظرة المذهبية التى تريد خلق ثأر لا يعرفه الناس ولكن يمكن صنعه لاستمرار مبررات الحرب واستمرار كل هذا الخراب. حتى وإن تم تصدير شائعات حول جغرافيا متخيلة مزيفة وليس فقط شائعات حول مرويات تاريخية لا صحة لها، مثل أن سكان هذه المدينة مسئولون عن مقتل الحسين؟!! . وبعد أن أسقط فى يد ميليشيات الحوثى ولم يعد هناك قصف من التحالف العربي، وتحقق للميليشيات ما تريد من وقف كل الجبهات، والسماح لها بكل الدخل للنفط والغاز وموارد ميناء الحديدة ومناطق سيطرتها، والاعتراف بسيادتها على مطار صنعاء، كل ذلك دون مقابل، غير العمل على إسقاط الحجج!. وذهب الكل نحو السلام، وأعطيت الميليشيات الحوثية كل طلباتها، هاهى تريد تحرير فلسطين أولا حتى نمضى بفك الحصار عن تعز!. ليس فى الأمر سخرية، بل هو الواقع الأكثر غرابة من كوميديا سوداء. حقا هى سخرية تبعث على بكاء مر لضياع جيل كامل فى غيبوبة تاريخية، جيل سُرق منا فى لحظة صراعات لا معنى لها، وسيتطلب الأمر كفاحا مريرا على جبهات الوعى أصعب من هذه التى نواجهها الآن عسكريا مع ميليشيات متمردة وقتلة عابرين بين كلمات عابرة!.
معركتنا أطول من مجرد تحقيق هدنة زائفة أو لحظة تصمت فيها المدافع، وأصعب من فك الحصار عن مدن، إلى حاجتنا إلى دك أسوار تعصب مخيف ووقف حالة تغييب لعقول جيل تسرب نحو احتراف القتل، ووقف تيار يريد أن يختطف حضارة ويفتت وطنا!. نعم ذاك قدر بلد ملكة سبأ التى تباهى بها الأقدمون بأنها أرض الجنتين وأول مجالس الشورى!. وتلك معركة اليمن الكبرى، الذى سيحتاج إلى بناء الإنسان وإعادة ترميم مجتمع بكامله وليس فقط بناء مدن دكتها مدافع العبث.

أخبار ذات صلة

جار التحميل....

يستخدم موقع اليمن الاتحادي ملفات Cookies لضمان حصولك على افضل تجربة موافقة إقرأ المزيد