حسين الصادر :
قصة العنف في بلادنا يبدو أنها قصة غير قابلة للانتهاء وتأخذ أشكال مختلفة لكنها في النهاية تصب في مسار واحد هو الفناء للأرض والأنسان
خلال أكثر من نصف قرن عرفت اليمن في تاريخها الحديث العديد من النزاعات الحادة والدموية , لكن أكثرها قبحاً هو تفخيخ الأرض الطيبة بالألغام وانفردت اليمن دون سواها من بين بلدان المنطقة بهذا الدا الذي زرعته أيادي يمنية غير مكترثة بقداسة الأرض والأنسان .
أستبشر اليمنيون خيراً بإعلان اليمن خالية من الالغام الفردية في العام 2002م كان هذا الإعلان قبل 16 عام ولا أحد كان يعلم ماذا يخبئ القدر للأجيال القادمة .
تلاشى الحلم ان تصبح بلادنا خالية من الألغام , وكأحد الأفراد الذين عاشوا في مناطق الأطراف والتي كانت ميدان لتبادل زرع الألغام بين أطراف الصراع تحتفظ ذاكرتي بمشاهد مؤلمة لضحايا لألغام , وبدل السير الى الأمام وتجاوز الآم الماضي أصيبت أمانينا بانتكاسة وخيبة أمل كبيرة .وغير متوقعة ,تمثلت الكارثة الجديدة أن تصبح اليمن أكثر بلد من بين بلدان العالم في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين تتعرض مساحات واسعة منها لزراعة الالغام مجدداً من قبل مليشيات الحوثي الإيرانية .
كان العالم قد طوى كثير من الآم الحرب وخاصة استخدام الألغام بعد الحرب العالمية الثانية عندما زرع “المارشال النازي رومل” ملايين الألغام على سواحل نورماندي في العام 1944 م وكان يأمل من هذا العمل صد هجوم الحلفاء .
تتشابه البيئة الايدلوجية للعنف بين كل الحركات الفاشية في نشر أدوات الموت والدمار تحت الأرض وفوق الأرض حين يصبح العنف عقيدة ولاتبتعد مليشيات الحوثي الإيرانية عن هذا الخط المتطرف للحركات الفاشية .
زرعت مليشيا الحوثي حسب بعض المصادر ما بين 200 الف الى 300 الف لغم على طول جبهات القتال وفي كافة الجبهات وهي أكبر عملية نشر للألغام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
وتتفق على ذلك كل المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية , وربما تكون أكثر بكثير من أشجار الرمان في صعدة والبن في المرتفعات والبرتقال في مارب !
جرمت العديد من الاتفاقيات الدولية وأعراف وقوانيين الحرب استخدام الالغام ونشرها وخاصة في المناطق التي يتواجد فيها المدنيين ضربت مليشيات الحوثي بكل الأعراف والقوانيين عرض الحائط وسجلت خروقات خطيرة تقول الناشطة “أمة الله الحمادي ” والتي تعمل منذ ثلاث سنوات في التوعية بخطر الالغام في محافظة مارب ان مليشيا الحوثي أضافت تقنيات جديدة حيث زودت مليشيات الحوثي الالغام الخاصة بالأليات بدواسة جديدة وصاعق أضافي حيث يستطيع اللغم ان يؤدي مهمتين ضد الأفراد والأليات في الوقت نفسه وأوضحت ان المليشيا قصدت من هذه الإضافة القتل المتعمد .
وعن مصدر هذا الكم الهائل من الألغام تقول الناشطة “الحمادي “أن بلدان مثل الاتحاد السوفيتي سابقاً وبلدان في أوربا الشرقية من بين البلدان المصدرة ويتضح ذلك من خلال اسماء الماركات والبلد المنتج غير انها أضافت ان جزء كبير من هذه الكميات يتم تصنيعه محلياً بواسطة خبراء إيرانيين , المفاجأة الأخرى التي نقلتها الناشطة “الحمادي “ان أنواع جديدة من الألغام دخلت الى اليمن بعد العام 2015 م والعام 2016 وان شبكات تجارة الموت استطاعت تجاوز الحضر وإيصال المنتج الى المليشيات .
بغض النظر عن مستقبل الحرب والتي يأمل الكثير من الناس أن تنتهي بنهاية من أقدموا على زراعة كل هذا الرعب , الا ان رعب الالغام سوف يظل رعب دائم لأسباب منطقية فمن النادر أن تسلم المليشيات أي خرائط لحقول الالغام التي زرعتها في مناطق أنتشارها الواسع . وهذا لايعني ان الخرائط غير متوفرة فقد أستطاع الجيش الوطني خلال عملية تحرير بيحان في ديسمبر الماضي العثور على كروكيات وخرائط ميدانية توضح أماكن تواجد الالغام , لكن المليشيات تتعمد إخفاء الخرائط !
وعلى الرغم أن نشر هذه الالغام غير مجدي من الناحية العسكرية فقد تمكنت وحدات من التحالف العربي والجيش الوطني أثناء عملية تحرير مارب في يوم الرابع والثالث من أكتوبرفي العام 2015م من تحييد الالغام بسهولة ويسر , لكن تأثيرها كان على المدنيين بعد عملية التحرير حيث نتج عنها أكثر من 90 إصابة ما بين أعاقة ووفاة في مارب فقط .أضافة الى الخوف والرعب لدى السكان المحليين من ارتياد المناطق المشبوهة وقد تكون مناطق هامة وحيوية مثل المراعي أو مناطق ذات قيمة تاريخية أو قرى ومساحات زراعية مأهولة بالسكان ..