*عز الدين سعيد الأصبحى :
** من المفارقات المحزنة ان هذا “العام الراهن 2024 هو أكبر عام انتخابي في التاريخ على صعيد العالم”. حيث أن نصف سكان العالم معنيون بانتخابات مباشرة خلال هذه السنة . ابتداء بالهند وانتهاءا بأمريكا.
إلا أنه العام الأسوأ من حيث ضحايا حرية الرأي والتعبير، والأكثر دموية للصحفيين.
وأمس الأول احتفى العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة ( الذي يصادف 3 مايو من كل عام حسب قرار الجمعية العامة الذي اقرته في 20 ديسمبر 1993 ) . ذلك الإعلان الذي عزز بإعلان آخر بالمناسبة
بشأن تعزيز استقلال وتعددية وسائل الإعلام العربية وصدر في مؤتمر صنعاء باليمن في الفترة من 7 إلى 11 يناير/ كانون الثاني 1996، بالاشتراك بين منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو .
الآن نتحدث عن واقع ليس فيه استقلالية أو صحافة، وكل حلمنا أن ينجو الصحفيين من الموت لا أكثر.
الموت الذي يطارد معظم صحفيينا اما في الاقبية والقنص المباشر أو من الإهمال والتجويع.
وأمس حذرت منظمة مراسلون بلا حدود في تصنيفها لحرية الصحافة للعام 2024 من تزايد الضغوط السياسية على الصحافة في العالم .
وتبقى النروج متربعة على صدارة التصنيف الـ 22 لحرية الصحافة في حين تحتل إريتريا المركز الأخير (180) لتحل محل كوريا الشمالية التي كانت في هذه المرتبة في السنتين السابقتين، على ما جاء في تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الذي نشر امس الأول الجمعة.
ولكن ما يحدث للصحفيين الفلسطينيين بل والعمل الصحفي الفلسطيني برمته على يد الإحتلال الإسرائيلي سيبقى الأكثر بشاعة في التأريخ .
فخلال حرب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة الآن ارتفعت حصيلة الشهداء من الصحفيين والطواقم الإعلامية في غزة إلى 120 شهيدًا، وهو ما يمثّل 10% من الصحفيين في القطاع على اعتبار أن النقابة تضم نحو 1300،حسب المسؤلين في النقابة .
ونحن في وضع لا يصدق في غزة من جنون القتل الجماعي اليومي، حيث سيتغير الرقم خلال كتابة هذه الأسطر.
والأكثر مرارة في الأرض الفلسطينية المحتلة أن عملية القتل تتم للمؤسسات والأفراد ،حيث يحرص الكيان الإسرائيلي على تدمير كل البنى بما يمنع مستقبل ممكن للعمل الصحفي نفسه على المدى القريب.
وذلك لأجل طمس الحقيقة ،ولا يجعل نافذة مفتوحة أمام العالم يرى منها بشاعة ما يقوم به،وظنا من الكيان أن ذلك سيمنع أيضا عملية توثيق الجرائم المستمرة .
تلك جرائم ممنهجة لم يشهد العالم لها مثيل ،ولكنها متسقة مع منهجية الكيان الإسرائيلي الذي يعمد لتجربف كل أسس الحياة في غزة وليس فقط قتل البشر ،بل تجريف الأرض بحيث لا تعد صالحة للحياة على الأقل لفترة منظورة .
في الجانب الآخر المظلم أيضا في حرية الصحافة، أرى قتلا عالميا آخر لهذا الفضاء ،عبر منهجية دولية تقوم على تعزيز التفاهة وقتل المهنة.
ورغم أهمية ما يطرح من أن تطور التكنولوجيا وعالم التواصل الإجتماعي الذي جعل العمل الإعلامي يترنح من أبراج البث الفضائي الباذخ إلى منصات إلكترونية عابرة للقارات عبر هاتف نقال لا أكثر . إلا أن خطورة الأمر في موجة هائلة تغرق المجتمعات بتسطيح مخيف ، وتضليل لا يصدق في بث المعلومات.
وحرب التكنولوجيا المتطورة هذه هي الحرب القادمة، من صراع إلكتروني إلى الطيران المسير .
وأصبح هم أمريكا وهي أبرز قوى عظمى في العالم كيف تنهي تطبيق صيني مثل تيك توك .
فصناعة الرأي العام والتأثير بالسوق وجمع المعلومات، لم تعد تحتاج غير تطبيق إلكتروني فعال . بدلا عن جيش من المخبرين وأجهزة التنصت التي كنا نسمع عنها .
لكن ما يجعل الأمر أكثر سؤاً هو استغلال هذا التطور عبر إبراز وتكريس مؤثرين أسوأ ما يكون على القيم الإنسانية والتعايش السلمي .
وتجد حكومات مختلفة تركز على تسييد الجهل، اي جعل نموذج الجهل والتفاهة قدوة مؤثرة ،وترى صراع الأجهزة محموما في تجنيد فاعلين، للنيل من الخصوم عبر تشجيع كم هائل من المؤثرين. ثم في لحظة يتم تسويق كل ذلك بأنهم أهل الإعلام ونجوم الصحافة .
وصار نحت مصطلح ناشط إعلامي، كارثة على المهنة المقدرة في مخيلتنا.
التي بقيت السياج المنيع لحماية قيم الحرية والعدالة في العالم.
انه إغتيال آخر للصحافة ،وقتل لفضاء حرية الرأي والحصول على المعلومه الصادقة. عبر موجة تضليل وتهريج لا يتوقف ، من ناشطي الفضاء الإلكتروني، إلى صانعي الفضاء السياسي.
وهل هناك تهريج أكثر مما نراه في منابر صنع القرار الدولي !!؟
* سفير بلادنا لدى المملكة المغربية
** نقلاً عن جريدة الأهرام المصرية